بنان الحسن-اللاذقية

لم تعد يد رنا مزيّنة بالحلي ولا منعمة بالطيب والدهون ولا حتى بيضاء تسر الناظرين، بل اتشحت بالسواد واخشوشنت وغابت ملامح الأنوثة فيها من زيوت التشحيم، حيث تعمل في تصليح الأدوات الكهربائية في محل والدها باللاذقية.
فلم تجد الفتاة السورية رنا -التي فضلت عدم كشف هويتها- بابا للعمل أمامها بعد اعتقال والدها قبل ثلاث سنوات، فقررت أن تفتح محل والدها وتديره بنفسها وتخوض مهنة شاقة تكاد تكون حكرا على الرجال.
تركت رنا أدواتها جانبا وتنهدت بتعب واضح لتصف للجزيرة نت كيف اتخذت قرارها بين الحاجة والتردد أمام نظرة مجتمع رغم كل ويلات الحرب، مضيفة "لقد اضطر إخوتي الشباب إلى ترك المدينة خوفا من الاعتقال أو الاستدعاء للخدمة العسكرية في جيش النظام، وبقيت وحيدة مع طفلي دون مصدر دخل".

 


وتضيف أن "الخطر الذي أنتظره ليس صعقة كهربائية من آلة أصلحها، بل من صعقة مشهد عناصر الأمن حين يأتون إلى محلي للسؤال عني، فقد بت مطلوبة للأمن في الفترة الأخيرة بسبب نشاطي السابق مع إعلاميي الثورة، ولكن لا أستطيع ترك المدينة دون طفلي عن طريق التهريب، كما لا أستطيع الهروب معه".
وتشير رنا إلى أنها تجد منافسة كبيرة في العمل من الرجال، وتجد صعوبة في إقناع الزبون بمهارتها، لكنها تؤكد أنها أفضل حالا من غيرها من النساء اللاتي اضطرتهن ظروف المعيشة للعمل في مهنة نقل وتحميل البضائع في ميناء اللاذقية، أو البنات الصغار اللاتي يبعن الخبر في شوارع المدينة.
ظروف قاسية
ولا تتوقف المأساة على النساء المؤيدات للثورة، فربيعة التي قتل زوجها وهو يقاتل في صفوف عناصر الدفاع الوطني المؤيدة لنظام بشار الأسد، لم تحصل على وظيفة أو تعويض مالي من النظام، لأنه متطوع وليس منتسبا إلى الجيش السوري النظامي، فاضطرت للعمل في ورشة بناء.
وتضيف للجزيرة نت "وجدت نفسي أمشي دون هدى في شوارع حارتنا بحثا عن عمل يسد حاجتي، حتى استوقفتني ورشة البناء هذه طويلا، وأنا أفكر بعمل مناسب فيها يتناسب مع قدرتي البدنية، ورغم استنكار صاحب الورشة من طلبي للعمل معه ورفضه بداية لكوني فتاة، فإنه قبل على مضض وأوكل لي مهمة تنسيق أدوات الورشة".
وتعلق ربيعة على ما آلت إليه أوضاع بعض نساء المدينة بقولها "قد لا نستغرب يوما عندما نشاهد فتيات يعتلين الأبنية في أعمال البناء، وسط تنامي سوء الوضع الاقتصادي وهجرة غالبية شباب اللاذقية".

 

JoomShaper