الخميس 29 جمادي الثاني 1437هـ - 7 أبريل 2016م
أسامة أبو زيد – حمص (سوريا)
يستمر نزوح المدنيين ضمن مناطق ريف حمص الشمالي ومدنه وبلداته حتى مطلع شهر أبريل من عام 2016، مئات العوائل تنزح بين منطقة وأخرى بحثاً عن الطعام ومقومات الحياة، قد تجدها في منطقة أخرى بعد الجوع الذي بات يلاحقها وأطفالها، ويسيطر على حياتها التي أصبح فيها الحصول على لقمة العيش أمراً شاقاً للغاية.
يعود نظام الأسد مجدداً لاستهداف ريف حمص الشمالي، في أواخر شهر مارس الماضي رغم سريان قرار وقف إطلاق النار الدولي، وذلك في خروقات واضحة، سببت عدداً من القتلى والجرحى، لتكون تكملة لحملة عسكرية طاحنة لقوات الأسد، بدأت بتاريخ الخامس عشر من شهر أكتوبر عام 2015، رافقها الفشل في احتلال أي منطقة من ريف حمص
الشمالي رغم الدعم الجوي الكثيف الذي أمنته القوات الروسية، بحجة محاربة تنظيم داعش في أرض تخلو من عناصره.
لم ينتج عن هذه المعارك والحملات سوى قتل المئات وتشريد آلاف العوائل والأسر ودمار البيوت وتعطيل الحياة وتوقف معظم الموارد الزراعية والحيوانية عن العمل، بسبب الاستهداف المتعمد لها من قبل النظام.
الآلاف تنزح داخلياً والحصار شديد على الجميع
خلال هذه الحملة التي لم تحقق سوى العديد من المجازر ضد المدنيين في المناطق المستهدفة وإغلاق كافة الطرق الخارجية وعدم ترك معابر إنسانية آمنة لهم، ليفرض بذلك نظام الأسد طوقاً نارياً مدججاً بالحديد والسلاح حول جميع مناطق الريف الشمالي، فلم يكن أمام المدنيين سوى النزوح هرباً من الموت إلى مناطق أخرى لداخل الريف الشمالي ودخول الآلاف من ريف حماة الجنوبي إلى الريف الشمالي الحمصي أيضاً، ليعيشوا فيها حياة كان الموت الذي فروا منه أسهل عليهم، مقارنة مع ما يعانوه إلى لحظتنا هذه، فالمئات منهم لم يجدوا مأوى لهم فافترشوا الأرض والتحفوا السماء بين أشجار الزيتون، في وقت يتابعون بحثهم عن حياة تكون ملاذهم الأخير ضمن إحدى زوايا الحصار نفسه.
معاناة النزوح والحصار.. قصص موت حقيقية
عائلة أم إبراهيم التي نزحت من قرية تير معلة إلى تلبيسة، برفقة أطفالها الثلاثة، لتسكن بيتاً مصنوعا من القصدير، مع فقدان معيلهم المعتقل في سجون النظام منذ سنين.
بدأت أم إبراهيم حديثها لـ"العربية.نت" بكلمات نابعة من قمة معاناتها "إنني هنا مثل آلاف الناس الذين كتب عليهم التشرد، ولم يجدوا لأنفسهم في بلادهم مكانا يتسع لهم، فإن الإنسان الذي لفظه بيته بات لا يجد متسعا في بيوت الآخرين".
وتابعت أم إبراهيم خرجت أنا وأولادي وجارتي أم أحمد، هائمين على وجوهنا بدون أن نخرج معنا أي شيء ولا نعرف إلى أين نذهب، في يوم صعب جدا، كانت المعارك فيه على أشدها، وعند وصولنا لتلبيسة لم نجد آذاناً صاغية لنا، بسبب صعوبة الوضع والحاجة الكبيرة للناس وكثرة الأعداد وقلة الموارد، افترشنا الأرض لعدة أيام، حتى حصلنا على بيت من القصدير واليوم أنا وأطفالي بحاجة للطعام، لذا سأهجر هذا المكان بحثاً عنه ولكن لا أعلم إلى أين.
أبو جاسم من سكان قرية سنيسل غرب الدار الكبيرة، نازح يسكن في خيمة بدوية على أطراف قرية الزعفرانة، لديه 6 أولاد خرج بهم في ليلة ظلماء، بعد بقائه في منزله لمدة يوم كامل تحت القصف والصواريخ والطيران الذي لم يهدأ أبداً.
وفي حديث أبو جاسم لـ"العربية.نت" قال "إننا لم نقدر على الخروج إلا ليلاً وسيراً على الأقدام وبدون أي ضوء خوفاً من استهداف قناصة النظام لنا إلى أن وصلنا إلى هنا، وحصلنا على هذه الخيمة، ونحن لا نريد سوى رغيف خبز نقتات عليه أنا وأولادي، فقد أصبحنا نبحث عن لقمة عيشنا فلا نجدها، وقد تركت قطيع أغنامي وأبقاري مصيرهم الموت المحتم الذي كان من الممكن أن يكون من نصيبي أيضاً ولم يبق لدي شيء يعينني وأطفالي على الحياة".
وفي لقاء أحد الشباب التقينا عبد الحليم من سكان قرية جوالك، بالقرب من المحطة والذي تكلم عن حجم المعاناة والمأساة، بعد نزوح كامل عائلات قريته، من بيوتهم وتوجههم إلى عدة مناطق في الريف الشمالي بحثاً عن ملاذ آمن.
وذكر لنا عبد الحليم حجم معاناة عائلته في طريق خروجهم من منزلهم، تحت ضربات الطيران الروسي وقصف دبابات النظام وشدة الاشتباكات، وخروجه مع والديه وأخوته الثلاثة زحفاً على ركبهم مسافة 500 متر، خوفاً من إصابة أحدهم بسبب الكثافة النارية فوقهم ليسيروا بعدها على الأقدام مسافة 4 كلم للوصول لأقرب منطقة شبه آمنة.
وعبر عبد الحليم بقوله مختصراً "منذ خروجنا من بيتنا إلى يومنا هذا ونحن نموت ألف ميتةٍ، بسبب انعدام أساسيات الحياة وندرة الموارد وعدم قدرة المنظمات والمجالس المحلية الموجودة على استيعاب العدد الكبير من الناس النازحين.
تقاسم العيش بين النازحين والمقيمين والمعاناة واحدة
بعد هذا الحصار الطويل لنحو 400 ألف مدني في ريف حمص الشمالي وعجز الجمعيات الإنسانية عن العمل وتوقف معظمها ومنع النظام للمنظمات الأممية والدولية الدخول إلا بشيء قليل تحمله من المواد التي قد لا تكفي منطقة واحدة فقط.
نضال أبو خالد، مراسل مركز حمص الإعلامي في الدار الكبيرة والذي بدوره أفاد بأن الأمم المتحدة تدخل المواد بكميات قليلة بعد مرور أكثر من عام على دخولها للدار الكبيرة وتير معلة والغنطو.
وتابع نضال أن نظام الأسد يسمح بالإدخال ليُظهر للعالم أنه يقدم التسهيلات ويسمح لتلك المنظمات بالعمل وممارسة نشاطها، والناس هنا بحاجة شديدة إلى هذه المواد على قلتها، فلا يوجد أحد يمنعها عن أحد هنا كما يفعل نظام الأسد ذلك.
وأكد نضال أن من يعيش في بيته الذي استقبل فيه عدة عوائل نازحة حاله كحالهم، الجميع يبحث اليوم عن لقمة العيش ورغيف الخبز وحليب الأطفال فلا يجده والحرمان بات يرافق طلباتهم والجوع بات يلامس أجسادهم، والعجز هو سيد الموقف مع تدهور الأعمال الزراعية والرعوية والحيوانية، بعد المعارك الطاحنة والاستهداف الواضح لموارد الريف الحمصي من خلال خطة مدروسة ممنهجة يسعى لها النظام منذ سنين تحت شعار "الجوع أو الركوع".