كتب علي الحسيني في صحيفة "المستقبل":
ما زال الجرح السوري ينزف من حلب المدينة التي منها يتحدد مستقبل طاغية سوريا بشار الأسد الذي يواصل نظامه منذ أكثر من اسبوع، تفريغ «براميل» حقده على رؤوس أهاليها مُخلّفاً مئات الشهداء والجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، ومعها تتواصل مشاهد الأشلاء والجثث المنتشرة فوق الأرض وتحتها والتي كان أفظعها وأقساها، صورة الطفلة المُقطّعة الأوصال وكأنها تتوجه إلى بشار الأسد وحلفائه بسؤال أوحد: هل هكذا يكون الإنتصار؟
الداخل إلى مدينة حلب أو الخارج منها خلال الفترة الحالية، لا تشغله أصوات الرصاص والقذائف ولا هدير طائرات الميغ في سمائها ولا حتّى وقع برامليها فوق رؤوس المدنيين العُزّل، بقدر ما يشغله إحصاء عدد الجثث الملقاة على جانبَي طرقاتها الرئيسة وحتى الفرعية، الأمر الذي يدعو البعض إلى تشبيهها بمدينة ليننغراد الروسية التي حوصرت ذات يوم على يد جيش هتلر لمدة 872 يوماً، فأوقع فيها أكثر من 50000 قتيل مدني جُلّهم من الأطفال والنساء. اليوم تُعاني «الشهباء» الأمر نفسه على يد نازي العصر بشار الأسد
الذي حوّل المنازل والمستشفيات ومستودعات الأدوية والمدارس إلى رُكام لا يصلح إلّا لإستعماله أكياساً لمتاريس سوف يضطر ذات يوم الى الإختباء خلفها.
منذ أعوام أطل بشار الأسد من جامعة دمشق ليقول «معركة مدينة حلب هي التي ستقرّر مصير الشعب السوري«. نعم لقد صدقت يا «نيرون العصر«، فحلب اليوم قد سويّت بالأرض بفعل حقدك واجرامك وتآمر حُلفائك السائرين على نهجك والذين ينكرون حق الأطفال بالعيش. في حلب التي سقط من أبنائها أكثر من ثلاثمئة شهيد فيما تجاوز عدد الجرحى الألف خلال أقل من اسبوع واحد، يُسمع انين الأطفال وصرخات الكبار من تحت الدمار والركام، واللافت أن من يخرج منهم حيّاً لا يتوانى عن توجيه رسالة في كل الإتجاهات مثل: «لن نهلع ولن نجزع ولغير الله لن نركع«، وذلك خلافاً لمراسلي وسائل الاعلام المؤيدة للنظام التي يتباهى مراسلوها بأخذ لقطات أمام الجثث المنتشرة على الأرض.
لم يعد هناك من أثر للحياة في أحياء حلب، فالجميع غادرها إمّا باتجاه مناطق أكثر أماناً وما أقلها، وإمّا باتجاه السماء والتي رغم بُعدها الزمني، إلا أنها تبقى الطريق الأسرع للتخلص من بطش النظام السوري واجرامه إلى الأبد. في حلب أيتام وأرامل وعيون تبحث عن أمن وأمان ضاعا بين غبار الموت، وقلوب تتوسل الخالق أن يوقف هذا النزف المُستمر. «حزب الله لم يُكلف نفسه بإصدار بيان يستنكر فيه المجازر التي تُرتكب بحق أبناء حلب منذ أسبوع تقريباً. لكن هناك حقيقة لن يستطيع الحزب ولا غيره أن ينكرها أو يتهرّب منها كانت قد خرجت على لسان طفل سوري وهو يحتضر «سأخبر الله بكل شيء«.
اسبوع مرّ على استهداف حلب. أعداد الجرحى تتقلص في ظل ارتفاع أعداد الشهداء، اسبوع وربما اكثر وأصحاب إرادة الحياة يرفضون الخضوع لقرارات الموت. من بين الخراب وحجم الدمار الهائل ورائحة الدماء، وقف مُعمّر بالقرب من مشاهد الانقاض التي اتكأت على أجساد المواطنين. نظر أمامه ليبحث في الوجوه عن زمن لا يُشبه زمانه ولا حاضره، تلفظ ببضع كلمات قبل أن يومئ بيده نحو ما تبقى من مستشفى القدس في حلب. بكى ثم عاد ومسح دموعه قائلاً «ما في شي عم يمنع الموت عنّا، لكن وحياة اليّ خلقك با بشّار الأسد أنت وحلفاؤك يومكن صار قريب كتير».
في حلب قصّة سوف ترويها الأجيال عن مدينة أحرقها «نيرون سوريا» ليُشعل حلمه في استمرار حكمه. في حلب لم تعد الجدّة تروي لأحفادها قصصَ ما قبل النوم بعدما استبدلتها بحكاية رجل «مهووس» بكرسيه يستمتع بمشاهدة الجثث. في حلب شارف العام على الإنتهاء، ومعه بدأ الأطفال بالوصول باكراً إلى السماء على أن تكون الحصة الأولى «حلب محرقة الأطفال«.