هشام ملحم ـ النهار اللبنانية
صرخة أخلاقية من القلب أطلقها 51 مسؤولاً وديبلوماسياً أمريكياً من المعنيين بالحرب في سوريا اعتراضاً على سياسة حكومتهم التي أخفقت، بعد خمس سنوات من الاقتتال المروع، في المساهمة في إخراج سوريا من محنتها التاريخية. لكنها أيضاً صرخة مبنية على تحليل واقعي للأوضاع العسكرية السائدة في سوريا، تضمنت توصيات عسكرية عملية ومبنية على الاستخدام المحدود للقوة العسكرية لإرغام نظام الاسد على التفاوض بجدية، "لأن اعتماد موقف عسكري أوضح بقيادة أمريكية سوف يعزز المبادرة الديبلوماسية".
ما فعله الديبلوماسيون، ومعظمهم من الشباب من ذوي المناصب الوسطى والأولى، هو جزء من تقليد ديبلوماسي يعود إلى حرب فيتنام ويقضي بالسماح للموظفين والديبلوماسيين في وزارة الخارجية بكتابة "مذكرات معارضة" لسياسة حكومتهم، ونشرها داخلياً، من غير أن يتعرضوا لأي محاسبة. وخلال حرب فيتنام وحروب البلقان في تسعينات القرن الماضي استقال عدد من موظفي

وديبلوماسيي وزارة الخارجية احتجاجاً على سياسات حكوماتهم. المفارقة هي أن من يكتب هذه المذكرات ومن يستقيلون من مناصبهم كخطوة احتجاجية هم عادة من الموظفين ذوي المرتبة الوسطى وما دون. وآخر مسؤول بارز استقال احتجاجاً على قضية مبدئية كان وزير الخارجية سابقاً سايروس فانس الذي ارتأى الاستقالة لمعارضته لقرار الرئيس كارتر انقاذ الرهائن الأمريكيين المحتجزين في مقر السفارة الأمريكية السابق في طهران.
وكما كان متوقعاً، رفضت الحكومة الأمريكية هذه التوصيات، بما فيها الاستخدام المحدود للقوة لإرغام الأسد على التفاوض وفق مقررات مؤتمر جنيف. وقال الناطق باسم الخارجية جون كيربي: "ليست هناك أي جهود لاستهداف بشار الأسد. هذا ليس جزءاً من حساباتنا. وكل الخيارات المطروحة (في المذكرة) ليست أفضل من السياسة الراهنة".
هذه المذكرة تعتبر إدانة لسياسة مفلسة ومضللة آتية من مسؤولين شرفاء رأوا الفظائع الشريرة في سوريا وحاولوا وقفها.
وقد قوضت ادعاء إدارة أوباما أن الذين يطالبون باستخدام القوة ضد الأسد (الذي تحمله المذكرة المسؤولية الأساسية عن المأساة السورية) هم المتطرفون الذين يعتقدون أن القوة العسكرية وحدها قادرة على حل مثل هذه الازمات، أو المحافظون الجدد الذين دعوا إلى غزو العراق. ومجرد أن يوقع 51 مسؤولاً أمريكياً مثل هذه الإدانة الأخلاقية لسياسة بلادهم حيال سوريا، وهم المطلعون على كل تعقيدات الوضع وعلى الوعود والتهديدات غير الجدية التي قطعها أوباما منذ بداية الحرب، فهذا أمر محرج للغاية لرئيس يدّعي أنه يعرف أكثر من أي مسؤول أمريكي آخر قدم له المشورة في موضوع سوريا. الوزير كيري، الذي يتعاطف مع بعض طروحات المحتجين، اجتمع بممثلين لهم، لكنه قطعاً لن يستقيل.

JoomShaper