أشرف أبو جلالة
الأطفال يدفعون الثمن دائمًا، لا سيما في الحروب والأزمات التي تعصف في بلادهم. هي حكاية طفلين سوريين قستّ عليهما الحياة، وأطاحت كل أحلامهما وبراءتهما.
برلين: لم تكن تحلم ألين، الفتاة السورية ذات الـ 13 عامًا، وشقيقها أحمد، 12 عامًا، سوى ببيت صغير يكملان فيه حياتهما برفقة والديهما، كغيرهما من الأطفال الميتمين بحنو الأم ودفء الأب، لكن واقع الحرب المرير أتى على الأخضر واليابس وأطاح بأحلامهما وتطلعاتهما، بعد فقدانهما والديهما آخر عامين في مدينة حلب، واضطرارهما لأن يلوذا بالفرار إلى تركيا والنزول لسوق العمل كي يأتيا بقوت يومهما.

الطفلان اللذان ضلّا طريق البراءة، بعدما قست عليهما الدنيا، لم يكن أمامهما ملاذٌ آخر سوى الهرب من جحيم الحرب في سوريا، وها هما الآن يحلمان بالهرب مجددًا من تركيا والذهاب إلى بلد آخر على أمل العثور على مَن يحنو عليهما ويمد إليهما يد العون.
معيشة صعبة
مجلة دير شبيغل الألمانية رصدت الأوضاع المعيشية بالغة السوء التي يواجهها الطفلان، بدءًا من طبيعة عملهما الصعبة، وانتهاءً بالسكن المتردي الخاص بكل منهما.
ومضت المجلة تقول إن الشقيقين غير قادرين على رؤية بعضهما البعض أو التحادث. لكن ألين، التي تعمل حالياً بأحد المصانع المتخصصة في تصنيع الملابس بمدينة ميرسن، تتخيل أن أحمد أقصر منها في القامة بعدة سنتيمترات، وأنه يضطر بحكم عمله في ساحة لتجميع الخردة بمدينة غازي عنتاب إلى تسلق جبال القمامة وهو بملابس ملطخة بالزيت وذراعين نحيفين ويدين عريضتين.
وتابعت دير شبيغل بلفتها إلى كم الصعوبات التي تواجهها ألين وأحمد في سبيل تحقيق رغبتهما بالفرار من تركيا، شأنهما في ذلك شأن الـ 1.5 مليون طفل الذين هربوا من الحرب في سوريا، ولم يعد هناك طريق أمامهم كي يفلحوا في الهرب من خلاله.
ويتذكر الطفلان لحظات وفاة والدتهما بعد تعرض منزلهم للقصف في حلب قبل عامين، وكيف انهارت الحجارة على جسدها عقب القصف لتسيل منها الدماء كما المياه السارية في نهر، ومن ثم فاجعة فقدانهما لأبيهما العام الماضي، بعد خروجه ليحضر إليهما الطعام صبيحة أحد الأيام، حيث خرج ولم يرياه مجددًا، ليسمعا بعدها روايات عدة، منها التي تحدثت عن مقتله على يد جندي تابع للنظام السوري بعد استهدافه بطلقة في مؤخرة رأسه، ومنها التي تحدثت عن مقتله على يد مقاتلي داعش.
الاغتراب والعناء
وبعدها نجحا في الوصول إلى تركيا بمساعدة اثنين من المهربين بعدما حصلا على أموال في سبيل ذلك من أحد أشقاء والدهما. وبمجرد وصولهما، لم يكن أمامهما سوى العمل لكسب المال والطعام، وكانت البداية مع جمع القطن لصالح المزارعين الأتراك، وكذلك العمل في موسم حصاد البطيخ، 10 ساعات يوميًا، طوال أيام الأسبوع.
ومع دخول فصل الشتاء، بدأ الطفلان بالبحث عن عمل جديد، ومكان مزود بسقف للاحتماء بداخله من برودة الطقس في الخارج. وهنا، تم الفصل بينهما، حيث بقيت ألين برفقة نظيراتها من الفتيات، والتحق أحمد بنظرائه من الصبية والرجال الذين انتقلوا للمنطقة الشمالية الشرقية، إلى أن وصلوا إلى مشارف مدينة غازي عنتاب، التي يقطنها ما يزيد عن مليون شخص. وبعد مرور أشهر من فراره برفقة شقيقته إلى تركيا، ها هو أحمد يباشر العمل في خامس وظيفة يلتحق بها لكسب قوت يومه، رغم صغر سنه، عناء العمل، فقدان الأب والأم، فراق الأخت وضياع الوطن.
استئناس الموت
وتابعت دير شبيغل بنقلها عن أحمد قوله إنه لم يعد يخشى الموت نظراً لكثرة الأشخاص الذين شاهدهم يموتون أمامه، موضحاً أنه غالباً ما يقضي وقته على هاتفه المحمول بعد الانتهاء من العمل، وأنه يتواصل بالرسائل مع عمه الذي لاذ بالفرار من حلب، لكنه لا يزال غير قادر على الهرب من سوريا، وأنه يتواصل بالرسائل كذلك كل ليلة تقريباً مع شقيقته، ألين، حيث يحرص على الاطمئنان عليها.
وأضاف أحمد أنه لم يكن يعلم من هي أنجيلا ميركل حين زارت غازي عنتاب قبل عدة أسابيع، وأنه لم يسبق أن سمع اسمها من قبل، كما أنه لا يعرف أي شيء عن ألمانيا سوى أنها جزء من أوروبا التي تعتبر مكاناً آمناً ولا يُسمَح للأطفال بالعمل فيها.
وواصل أحمد بقوله إنه يكره العمل، خصوصاً حين تداهم الآلام والأوجاع ذراعيه، وأنه يتمنى لعب كرة القدم، لكنه يعود ليتحمل، كلما تذكر أنه سيتضور جوعاً ما لم يعمل.
وختمت دير شبيغل بقولها إن ألين وأحمد الذين يجهلان كثيرًا من التفاصيل الحياتية، نظراً لحداثة سنهما، لا يسعيان وراء شيء، ولا يتمنيان أي شيء سوى أن يُكتَب لهما في الأخير نهاية سعيدة تعوضهما عن قسوة ما تعرضا له في سوريا وخارجها.
أعدت "إيلاف" المادة عن دير شبيغل الألمانية عبر هذا الرابط:
http://www.spiegel.de/international/world/refugees-syrian-orphans-toil-away-in-factories-in-turkey-a-1102610.html