بشار جابر: المدن
يتنافس النافذون من آل الأسد وأقربائهم على قيادة وتشكيل المليشيات العسكرية الرديفة لقوات النظام، في الساحل السوري ذي الأغلبية العلوية، وسط تنافس بينهم على اقتياد الشباب من العلويين وغيرهم في الساحل إلى ساحات القتال خارجه، ومعارك النفوذ فيه.
الجاذبية الواسعة لـ”كتائب صقور الصحراء” لصاحبيها محمد وأيمن جابر، جعلت آل الأسد في مواجهة عسكرية باردة معهم، تقوم على جذب الشباب للانتماء إلى مليشيات يصنعها أشخاص نافذون منهم لهم مطامح غير خافية.
تاريخياً جمع آل الأسد الشبيحة لقيادة عمليات التهريب والسطو، وحالياً يجمعون الشباب لقيادة عمليات عسكرية في مختلف المناطق السورية، ولتأمين نفوذ عسكري داخل

الساحل للقيام بعمليات غير حربية، كالسرقة والتهريب والخطف.
منذ بداية عام 2016 انتقل أكبر مهربي اللاذقية يسار الأسد، (له سجل جنائي خطير) إلى العمل العسكري، وقاد مليشيا اسماها “عرينُ الأسد”، كإشارة إلى موطنه في القرداحة. لم يعتمد يسار على الشباب العلوي فقط، بل أرسل سيارات المليشيا لتوقيع “عقود” مع أطفال وفتيان الشوارع المُشردين ممن لا أهل لهم. الفتيان الذين جنّدتهم “العرين” لا يتجاوز عُمر معظمهم 17 عاماً، والتقت “المدن” بأحدهم لا يتجاوز عُمره 14 عاماً. وأغلبهم ممن كان يعمل في مسح الأحذية، وتشحيم أبواب الحديد، والبيع على البسطات الخشبية. ورغم وجود فئات عمرية أكبر، إلا أن مليشيا “العرين” تعتمد على تنشئة الفتيان في صفوفها.
التدريبات للمليشيا تتم بقيادة إيرانية، كما هو حال جميع المليشيات الرديفة لقوات النظام في سوريا. وعلى الرغم من أن الكثير من الفتيان المُجندين هم من سُنة الساحل ونازحيه، إلا أنهم يخضعون لتنشئة دينية شيعية بحتة. هذه التنشئة الدينية تخترق المجال العسكري، فيصبح الأمر العسكري دينياً، خاضعاً لمسلكية شيعية رمزية. الفتيان تدربوا على مختلف الأسلحة وقاتلوا في جميع المناطق. والذين التقتهم “المدن” كانوا من المصابين بسبب العمليات العسكرية في كفريا والفوعة في ريف إدلب، وفي ريف حمص. عملياً في المناطق التي يكون فيها الطموح الإيراني على أشده.
القادة الإيرانيون يعاملون أولئك الفتية معاملة طيبة، كما أكد الفتى محمد لـ”المدن”، فقائده الميداني في منطقة الفوعة، أطعمه بيده حينما أصيب. وبحسب محمد، فالقادة الإيرانيون لا يهربون أبداً أثناء القتال خلافاً للقادة السوريين الذين يعاملون المقاتلين بطرق سيئة، ويخضعونهم لنظام عقوبات فيه الحرمان من الطعام والرواتب، ويتركونهم في المعارك من دون أي خطة للهرب أو لتدبير أنفسهم وحماية حياتهم.

المديح للقادة الإيرانيين تشوبه اشكاليات؛ كامتعاض الفتيان السُنة من الطقوسية العسكرية الشيعية وطبيعة الأوامر العسكرية الملتصقة بالتراث الشيعي، كالصيحات والهتافات التي لا تستسيغها المخيلة السُنية. فمن لا يصرخ “ياحسين” أو “جنود ولاية علي”، قد يتعرض لعقوبة قاسية جداً. هنا يدخل صراع المشافهة والمخيلة والتراث حيزاً لا يستطيع الإيرانيون السيطرة عليه، فمعيار الوقت والحرب لا يخدمهم. فالتنشئة الدينية الإيديولوجية تحتاج وقتاً أطول
ولا تلتزم مليشيا “العرين” بمستحقات مقاتليها الفتيان، وغالباً ما يتم دفع الراتب الأول والثاني، ونادراً ما يُحصل الفتى على راتبه الثالث. ولم تتكفل المليشيا بتكاليف العلاج ما جعل عبء ذلك يقع على كاهل جمعيات خيرية تقليدية. بعض الأهالي الذين وقعوا عقوداً لأبنائهم مع المليشيا، فشلوا في الوصول إلى يسار الأسد في القرداحة، لتأمين مستحقات أبنائهم بحسب العقود. فلا أحد يملك الجرأة على مواجهة يسار الأسد، جراء سُمعته المُرعبة أصلاً.
أكثر من 12 فتى ممن التقتهم “المدن”، لم يتموا الثامنة عشرة من عمرهم، كانوا قد انتزعوا من الشوارع وأعمالها إلى ساحات القتال. يحترف يسار الأسد صنع المرتزقة، مستغلاً فقراً مستشرياً، وآلاف الأطفال والفتيان الذين لا يملكون معيلاً أو سنداً ليؤمن حياتهم.
وتُقاتل مليشيا “العرين” في مناطق متعددة، إلا أن مُعظم مقاتليها الآن موجودون في الساحل، لا للقتال، بل لتمكين يسار من صنع نفوذ عسكري داخل المدينة. الإيرانيون يتكبدون مشقة الدفع والصناعة والإيديولوجيا، ولا يتعلمون من خيانات آل الأسد لهم، كما يغمزُ بعض المُتشفين. فلم تستمر مليشيا واحدة إيديولوجياً مثلما تُريد إيران.
“عرين الأسد” كمليشيا تتبع لآل الأسد، مازالت خارج ملاك قوات النظام، لأن عملياتها الآن موجهة لمواجهة نفوذ أيمن جابر و”صقور صحراءه” في الساحل، وبعض قطاعات المعارضة في ريف الساحل.

JoomShaper