لم يقف شباب مضايا مكتوفي الأيدي أمام عجزهم العسكري في وجه جبروت حزب الله والنظام السوري المدعومين دولياً في حصارهم لأهالي البلدة البسطاء، فقد استطاع بضعة شباب إعلاميين منهم، بعدسات هواتفهم المحمولة البسيطة، تحقيق نصر كبير أمام النظام في المجال الإعلامي، وأحرزوا تفوقاً بارزاً عليه في كل المحافل الدولية، وبات تحت وطأة الضغط الكبير، الذي تلقاه من جراء تسليط الضوء على هذه القضية الإنسانية المؤلمة.
فقد أثمرت الصورة المنقولة من داخل مضايا للوضع المزري الذي تعيشه البلدة عن استجابة دولية، بالضغط على النظام لإخراج عشرات الحالات الصحية الميئوس منها للعلاج في مشاف متخصصة، بالإضافة لفرض إدخال المساعدات الإنسانية للبلدة بشكل مواز مع المفاوضات التي جرت بشأنها، إذ كان إعلام مضايا عاملاً مساعداً بشكل كبير لمفاوضات المعارضة في هذا المجال.
– توثيق للحصار
يقول حسام، الناطق الإعلامي للهيئة الإغاثية الموحدة في مضايا، إنهم أدركوا منذ بدء اشتداد الحصار أنه لا وسيلة أمامهم لمقاومة الواقع المفروض عليهم إلا بالإعلام، وخاصة أمام العجز العسكري الذي تعيشه كتائب المنطقة في ظل الحصار، ولم يكن فقط الإعلاميون من أدرك أهمية إيصال الصورة للعالم، بل حتى معظم المدنيين كانوا يصورون ويوثقون معظم الحالات الصعبة التي يعيشونها، وخاصة أوضاع المجاعة وسوء التغذية الذي أصاب البعض بعد أشهر الحصار الأولى، ومن ثم إيصالها للإعلاميين لتوزيعها على وسائل الإعلام العالمية.
ويضيف حسام أن مقاطع الجوال البسيطة التي نقلوا فيها وضع بعض الحالات الصحية بشكل محدد، حققت غايتها المرجوة؛ سواء بإجبار النظام على الاستجابة ونقلها للعلاج في مشاف مختصة، أو حتى بفضح النظام على كل الأحوال في حال مماطلته في الاستجابة.
وتابع: “استطاعت هذه المقاطع البسيطة تصوير واقع الحصار العام في مضايا لكل العالم، الأمر الذي أدى لارغامه على استجابة إنسانية حسنت واقع المحاصرين بشكل ملحوظ على امتداد الأشهر الأخيرة، ويظهر ذلك جلياً بانخفاض عدد حالات الوفيات بسبب الجوع بشكل حاد”.
ويشير حسام الى أن حالة الطفلة غنى، التي تم إخراجها للعلاج في دمشق بعد أن وصلت صورتها لمعظم وسائل الإعلام العالمي، من أبرز حالات الضغط الإعلامي على النظام للاستجابة، وقد تبعها منذ أيام استجابة النظام لإخراج ثماني عشرة حالة من خلال الهلال الأحمر أيضاً، بعد التركيز على وضعهم إعلامياً، بالإضافة لقصة الطفل محمد شعبان الذي توفي داخل مضايا بسبب سوء وضعه الصحي، ورفض النظام إخراجه والفضيحة الإعلامية التي لحقته بسببه، والتي لجأ عقبها لعدم تكرار حدوث حالات مشابهة تتسبب له في إحراج في الأوساط الإعلامية.
– صعوبات وأخطار
وفي حديث خاص لـ”الخليج أونلاين” مع الإعلامي البارز أمجد المالح، الذي كان له دور بارز في نقل صورة ما يجري في مضايا منذ بدء الحصار، يقول: “بدأنا بالعمل الإعلامي بأدواتنا البسيطة دون أي دعم يذكر، ولكن كانت قوتنا من خلال نقل الصورة الواقعية، والحقيقية لما يجري في مضايا دون تضخيم يفقدنا مصداقيتنا، الأمر الذي لقي ترحيباً كبيراً من قبل وسائل الإعلام المحلية والعالمية”.
ويضيف المالح: “عملنا الإعلامي بالرغم من هدفه الإنساني، ونقله للواقع دون أي تحريف، وضعنا في دائرة كبيرة من الخطر، فلقد كنا ما يقارب ستة عشر إعلامياً في مضايا نعمل على نقل واقع الحصار، وكلنا تعرضنا للتهديد بالاغتيال والتصفية في حال الاستمرار في العمل الإعلامي المعتاد”.
وأوضح قائلاً: لكن تلك التهديدات لم تثنِ أحداً من الإعلاميين عن استكمال دوره الذي يدرك أنه لا يقل أهمية وخطورة عن مقاومة الحصار بالسلاح، وخاصة بعد الانتصارات المتلاحقة التي تحققت من خلال العمل الإعلامي، ومن خلال هواتف محمولة بسيطة مقابل ترسانة عسكرية كاملة يمتلكها نظام مدعوم من عدة جهات دولية؛ بفارق بسيط أن عملهم هو في سبيل الحق أمام نظام يقوم على الباطل”.