مالك فيصل الدندشي
دماء حلب إما أن توقظ شعوب أمتنا، أو نظل في غيبتنا حتى نلقى المصير نفسه) واتقوا فتنة لا تُصِيبَن الذين ظلموا منكم خاصة). ((#أنقذوا_حلب) د.خالد أبو شادي.
كادت السنة السادسة تطبق على الشعب السوري منذ اندلاع انتفاضته في شهر آذار (مارس) من العام 2011م، وما زالت علامات انتهائها غير واضحة، كما كانت علامات بدايتها لا يعرف من الذي حركها في توقيت غير
مناسب، وإمكانات متواضعة، وغياب لقيادة راشدة واعية، حيث حارب النظام النخب منذ أن تولى السلطة منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.
تتميز الثورة السورية بأنها ثورة انطلقت من المساجد عفوية في ظاهرها، ثم نمت وترعرعت، وشبت، وكبرت، وهي ما تزال في كنف بيوت الله تعالى حتى قال قائلهم: ـ وهو رجل نصراني (مسيحي) ـ شكرا للمساجد. هذه المعطيات هي التي حدت بكل المراقبين بأن يطلقوا عليها ثورة مسلمة سنية!.
وعلى الرغم من العطف الشكلي الذي لاقته هذه الثورة على المستوى العالمي والإسلامي والعربي، إلا أن الدعم الحقيقي الذي قُدِّمَ لها لم يكن على المستوى الذي يزيل كابوس النظام وأعوانه ومريديه؛ ثم بدأ التحالف الدولي لنصرة الشعب السوري يتضاءل دوره، ويضعف ويتراجع، ويقدم المعونات لهذا الشعب المسكين على استحياء.
في هذه الأثناء كانت ضربات النظام وأعوانه تتوالى على المعارضة السورية، وتوقع خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، والعالم يتفرج على السفاح والمجرم.
ولا أريد أن أستعرض ـ مما لم يعد يخفى على أي متابع ـ ما يعانيه أهل السنة والجماعة في سورية والعراق واليمن، حيث إن المصائب صارت كالجبال.
وفجأة ومن تحت الركام، ومن وراء الضباب الخفيف، طلع علينا الروس، وألقوا بثقلهم في المعركة، وبدأت طائراتهم تقذف وتدمر كل شيء، متعاونة مع النظام وأعوانه، وولد حلف جديد ـ ولكنه قديم لمن له خبرة ومتابعة ـ يضم كلا من النظامين في سورية والعراق، وروسيا وإيران، وأعلن حربا سافرة على الشعب المسلم السني في الشام، والعراق واليمن، ومن الملاحظ أن العالم يتفرج على ما يقوم به هذا الحلف، وعلى رأس المتفرجين الغرب وأمريكا. والمفاجأة دخول العدو الصهيوني(إسرائيل) في هذا الحلف بشكل علني ومفضوح، وازدادت معاناة المسلمين السنة في سورية، وهم لا ينتظرون الفرج إلا من الله تعالى.
وبعد هذا الاستعراض يحق لكل محب لهذا الشعب المسلم السني المنكوب أن يتساءل: أين نشاط الأحباب والأصدقاء الذي سيقف في وجه هذا الوحش المفترس الذي لا يعرف الرحمة!!؛ بل أين مواقف علماء الدين؟!، وأين مواقف التيارات الإسلامية وقادتها؟؟! وأين وأين وأين؟؟!
لقد لاحظنا أن كثيرا من المستورات قد انكشفت، وأن ما أنبأنا عنه التاريخ قد برز عيانا، وظهر الروافض والباطنيون، واليهود والصليبيون، والمجوس على حقيقتهم قديما وحديثا، ولم تعد تنطلي علينا أكاذيبهم وعنترياتهم، والأحزاب العلمانية والوطنية والقومية التي تستروا وراءها، وما تخفي صدورهم أكبر كما قال المتنبي:
الروم خلف ظهرك روم ... فعلى أي جانبيك تميل!!!
ولم يعد أمامنا أيها المسلمون إلا أن نقول: اللهم لا ملجأ إلا إليك. اللهم لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك. إليك المشتكى. أنت ولينا وناصرنا، فعلينا أن نسأل أنفسنا: ما الذي يريده منا خالقنا حتى ينصرنا؟. لنعلم، ونعمل، ونخلص؛ وبذا يتحقق الموعود "إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ، وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ، وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ"آل عمران 160، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"سورة محمد 47.
فإذا كان لهذه الثورة - إذا صح التعبير - من خير؛ فإنه يتجلى بارزا في كشف الخفايا، والمؤامرات، وظهور الأحلاف وظهور النفاق جليا بدون استحياء، وغدت معركتنا واضحة المعالم والوسائل والأهداف. وتبين العدو من الصديق. واستيقن أهل السنة بأن العالم قد تخلى عنهم. وبذا فإن التخطيط لهذه الثورة ينبغي أن يغير كل فاسد، ليحل محله كل صالح.
لقد فقد العالم الرحمة على الرغم من أن الرحمة كمال في الطبيعة البشرية تجعل المرء يرق لآلام الخلق، ويسعى لإزالتها، ويأسى لأخطائهم، فيتمنى لهم الهدى.
والقسوة ارتكاس بالفطرة إلى منزلة البهائم. بل إن الحيوان قد تجيش فيه مشاعر مبهمة تعطفه على ذراريه، وإن مما نراه في الأرض من تواد وبشاشة، وتعاطف وبر، أثر من رحمة الله التي أودع جزءا منها في قلوب الخلائق؛ فأرق الناس أفئدة، أوفرهم نصيبا من هذه الرحمة، وأرهفهم إحساسا بحياة الضعفاء، "مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ"(رواه البخاري).
إننا نعيش في عصر تصحرت فيه قلوب كثير من الناس، ولا سيما الذين بيدهم مقاليد التوجيه والتغيير في هذا العالم، وقد اغتصبوا حرية الإنسان والتي هي هبة الله إلى البشر، واستولوا على عقله، وتحكموا في أحاسيسه ومفاهيمه؛ وهم بعيدون عن منهج الحق سبحانه؛ فهؤلاء أذاقوا بني آدم كؤوس الذل والمهانة، وانتزعوا من البشر أخلاقهم وكراماتهم.
إن ما نشاهده مما يجري في سورية- وحلب خاصة ـ والعراق ـ والموصل على وجه التحديد - واليمن وبورما وفلسطين، وبقية مناطق العالم (بواسطة آلات التدمير الوحشية، كالطيران الحربي، ورمي الناس بالأسلحة الكيميائية، والقنابل الفراغية، والارتجاجية، والعنقودية والبراميل المتفجرة) من تدمير، وقتل وتهجير، وتعذيب، وتجويع وحرمان الناس من الاستشفاء، وتهجير، وسلب ونهب، وترويع، وتغيير قناعات الناس بالقوة - ليدل على فقدان قلوب الأشقياء (الذين فقدوا الرحمة) من شآبيب العطف والحنان، وأولئكم ذئاب البشر أبوا إلا الاعتراض على الرحمة المرسلة من الرحمن إلى عباده، والتي شملت البر والفاجر والشجر والحيوان، والطير.
ومن مواطن الرحمة أن ننصر المظلومين، ونعطف على المرضى والمصابين والأيتام والأرامل، وإن القسوة معهم جرم عظيم.
إن أولئك المجرمين الذين يدمرون المشافي على رؤوس مرضاها، ويقتلون الأطفال، ويقطعون الشجر والزرع، ويهدمون البيوت على رؤوس ساكنيها، وفيها العجزة، وكبار السن والنساء، هم قساة القلوب، والقسوة دليل على نقص كبير في خلق الإنسان وجبلته.
ولكن الذي ينظر إلى المشهد الإسلامي بعين البصيرة، ويراقبه برؤية إسلامية جامعة شاملة واعية؛ ثم يتأمل ما يحدث في ساحتنا الإسلامية، ويعمق نظرته في واقعنا، كما أنه يحلل ما ينفذ من مخططات لهذه الأمة - لا بد أن يردد تلك العبارة التي اخترتها عنوانا لموضوعي هذا.
فواقعنا مُبْكٍ, وحالنا بائسة، وأوضاعنا آيلة إلى الخراب والدمار ما لم تتداركنا عناية الله تعالى، وما لم نستفق من هذه الغفوة، وما لم نصح من هذا الخَدَر الذي حقنونا به. والحل ليس صعبا، وهو بين أيدينا شريطة أن يهيئ الله لنا علماء مخلصين يقودوننا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى التمكين الذي وعدنا به، وهو مشروط بشروط لا تخفى على ذي اللب والفهم "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا، وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"النور 55.
كنت أشاهد بعض القنوات التي تصور المشهد الدموي في سورية، بما تقوم به عصابات الإجرام والمؤازرون لها، وتجلى هذا في مأساة حلب التي ركز عليها الإعلام كثيرا، وهي مشاهد معروضة من عمق الحدث تبكي الحجر والشجر- والعالم المتمدن يتفرج!!- وتدل على عمق الحقد الطائفي الذي تكنه عصابات تدعي الانتساب إلى أهل البيت زورا وبهتانا، وتصرح تصريحات في غاية الخطورة، تتوعد فيه أهل السنة بما ينتظرهم في المستقبل الذي بدت أماراته من هذا التحالف الروسي الإيراني الصفوي ومليشيات متطرفة من العراق ولبنان وأفغانستان - وهناك أكثر من (حلب) في سورية هناك. مآسي النازحين واللاجئين في بعض الدول، وهناك المخطط الرهيب الذي يسعى إلى تفريغ المنطقة من سكانها الأصليين المنتمين إلى أهل السنة - هذا مايصرح به المسؤولون الروس، ومن معهم حيث يقولون: سنجعل أهل السنة في سورية أربعة ملايين، أي يشكلون نسبة ضئيلة من عدد السكان بعد أن كانوا هم الأغلبية - وإحلال محلهم مذاهب أخرى من أعراق ليست عربية، كما قال المتنبي: ولكن الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان، والعربي - هنا - هو المسلم الذي يعتز بدينه وشخصيته ولغته.
والذي أود أن أقوله إلى أبناء ملتنا: لقد تخلى عنكم أغلب الناس، وليس لكم من ملجأ إلا الله. فأخلصوا النية إليه، وذلك بالتوجه الصادق إلى دينه اعتقادا وقولا وعملا، وارفعوا أكف الضراعة إليه سبحانه في كل حين، ولا سيما في الساعات التي يستجاب فيها الدعاء، بعد أن تعلنوا التوبة النصوح، وتعملوا بما أمر الله سبحانه وتنتهوا عما نهى عنه. والناظر في التاريخ يستيقن بأن كل المعارك التي خاضها المسلمون مع أعدائهم (والعدو ما يزال هو هو وإن تغيرت الأسماء والشارات والشعارات ولبس العدو ثيابا أخرى للتمويه) لم ننتصر فيها إلا بعودتنا إلى دين الله تعالى، وأكبر مثال على هذا: معركة حطين وعين جالوت (وا إسلاماه!) ولقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتنة الدنيا وهي أساس البلاء الذي نحن فيه، وسبب هذا الهوان الذي نعاني منه.
وأنا أقول هذا وأعلم جسامة المأساة التي نحن فيها؛ ولذلك أعتقد أن خلاصنا لا يكون إلا بنصر دين الله أولا في نفوسنا، والبعد عن التفرق والتنازع، وبعد أن قدمنا التضحيات، وحلت بنا الكوارث لأننا نقول: ربنا الله، وحسبننا ديننا ونبينا؛ ولهذا يستعدينا العالم بأسره، فعلينا أن نصطلح مع الله ودينه. جربوا أيها المسلمون هذا بالنية والقول والعمل وانتظروا النتائج المبشرة.
إن مشكلتنا مع أنفسنا أولا ثم مع عدونا؛ فلا سلطان له علينا إلا بما يقدر أن يلج إلى نفوسنا فيزين لنا – بمؤازرة الشيطان – أعمالنا التي تغضب الله تبارك وتعالى، فنتبع الهوى، وندع الهدى، فيسلط الله بعضنا على بعض، حتى يفني طَرَفٌ الطرفَ الآخر. والعلاج هو بالتمسك بحبل الله المتين القرآن الكريم.
ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم مما حل بنا سابقا والآن وفي المستقبل. فهل نستفيد من الدرس النبوي؟ وهل نحذر من الفتن التي تعصف بالأمة، ونتعلم طريقة الخلاص منها ففي هذا دواء نافع وناجع.
ولقد لعب الإعلام الفاسد دورا كبيرا في إغراق السوق الإعلامية بالصور والمشاهد - والكلام المرسل، والمذاع - التي بلَّدَتْ أحاسيس الناس إزاء المطروح إعلاميا بعد أن كان عرض مثل هذه الصور وغيرها - تثير في النفوس مشاعر شتى، سواء كانت إيجابية أم سلبية؛ فمنظر الدماء، أو الحديث عنها، أو قراءة ما يصف أحوالها صارت ظاهرة عادية.
وأما مناظر الموتى وإسماع الأصوات المحزنة بأشكال، وألوان، ونبرات متنوعة، وأساليب عالية الجودة، فقد صارت فوق العادية في نفوس المتلقين لها. (والأمثلة الحية ما يعرضه الإعلام من صور عما يجري في حلب وغيرها من المدن والمواقع الشامية والعراقية واليمنية مما يقشعر منها البدن، وتتوجع منها النفوس، ويصطرخ من هولها كل ذي ضمير حي. والقصد من كل هذا هو: إماتة الشعور الحي، وجعله يستمرئ ما يشاهد، أو يسمع، أو يقرأ، أو لا يبالي بالمعروض مهما كان شكله ولونه وحجمه، وموضوعه. فأصبحنا نشاهد شلالات الدماء، والصور المشوهة المرعبة من آثار أسلحة التدمير الشامل في الممتلكات والأشخاص، دون أن تثير فينا أية مشاعر رافضة لما يحدث، وكأن هذه المشاهد شيء عادي! (ولا نعمم).
هذه أفكار ومشاعر كنت قد عرضت أكثرها في مقالات متعددة، ودونتها في أزمنة متباعدة، ومن المفيد أن تعرض لما لها من فوائد بعد أن قمت بتعديل ما ينبغي تعديله، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.