كلنا شركاء: مهاجر نيوز
ليست المساعدات المادية التي تعرضها ألمانيا لمن يرغب في العودة الطوعية إلى بلاده هي الدافع الوحيد الذي يشجع كثيرين من اللاجئين إلى مغادرة ألمانيا. فما هي الأسباب الأخرى التي دفعت هذا اللاجئ السوري وأسرته للرحيل عن ألمانيا؟
“تركت بلدي قسرا وأتيت إلى هنا ظلما”، هكذا أجاب خالد عندما سألناه عن السبب الذي دفعه للتفكير في مغادرة ألمانيا، فاللاجئ السوري هو واحد من بين كثيرين جاؤوا إلى ألمانيا بسبب الحرب الدائرة في بلدهم سوريا. والآن يفكر خالد في مغادرة أوروبا والعودة إلى إربيل مؤقتا حتى يعود الأمان إلى مدينته القامشلي.
وصول خالد إلى ألمانيا لم يكن سهلا، فقد اضطر إلى بيع بيته وسيارته لتأمين المبلغ اللازم للمهربين. غادر القامشلي وحيدا تاركا زوجته وابنته. محطته الأولى كانت تركيا، هناك تعرف على مهربين وعدوه بإيصاله إلى أوروبا حسبما يؤكد في حواره

لموقع مهاجر نيوز مضيفا بالقول “من بلغاريا تم نقلنا بواسطة شاحنة، كان عددنا حوالي 30 شخصا، بقينا فيها ثلاثة أيام حتى وصلنا إلى النمسا وبعدها إلى ألمانيا”.
لم تكن ألمانيا هي الوجهة، بل كان خالد يرغب في الذهاب إلى بريطانيا، فاللاجئ السوري درس الأدب الانكليزي، وإتقانه للغة الانكليزية قد يسهل عليه الكثير من الأمور لكن “بقيت في ألمانيا لأنها كانت الدولة الأوروبية الوحيدة التي تمنح السوريين الإقامة لمدة ثلاث سنوات خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الثلاثة أشهر”. لكن الأمور لم تسير تماما كما خطط لها خالد، فحصوله على حق اللجوء التام (إقامة لمدة ثلاث سنوات) استغرق حوالي تسعة أشهر، ما تسبب بمشاكل لم تكن بالحسبان حسبما يؤكد خالد “تراكمت علي ديون بلغت حوالي 7000 يورو بسبب تكاليف معيشة عائلتي في سوريا”.
لمّ شمل عائلته لم يكن كافيا لبقائه في ألمانيا!
صحيح أن حصول خالد على حق الإقامة استغرق وقتا طويلا، لكنه رغم ذلك كان من المحظوظين، فبعد حصوله على الإقامة تمكن من لمّ شمل عائلته مباشرة على عكس الكثيرين الذين لازالوا حتى الآن بانتظار عائلاتهم. لكن ذلك لم يكن كافيا لإقناع خالد بالبقاء في ألمانيا، فهو مصمم على الرحيل ويرجع اللاجئ السوري السبب إلى حزمة قوانين الاندماج الجديدة التي أقرتها الحكومة الألمانية في العام الماضي: “أشكر ألمانيا على استقبالها لنا ولكن قوانين الاندماج الجديدة مقيدة جدا لنا”.
ويتابع خالد بالقول “زوجتي لديها ثلاث إخوة يعيشون في مدينة كيل شمال ألمانيا ولا يمكننا أن ننتقل للعيش بجانبهم والسبب هو قانون الاندماج الذي يقضي بتحديد مكان إقامة طالب اللجوء من قبل البلدة أو المدينة التي تم فرزه إليها”. ويرى خالد أن هذا القانون يزيد من تفكك العائلات السورية وتشتتها. يذكر أن منظمة “برو أزول” هي بدورها أيضا، انتقدت قانون عدم تمكين طالب اللجوء من اختيار مكان إقامته وعللت ذلك بالقول “يجب مراعاة الظروف النفسية والاجتماعية لطالب اللجوء، ولذلك فهو بحاجة للبقاء بالقرب من أصدقائه وأقاربه”.
ربما يقيد القانون المتعلق بإجراءات السكن والإقامة اللاجئ ويمنعه من اختيار مكان سكنه، لكن هدف الحكومة الألمانية من ذلك يعود إلى الرغبة في توزيع متساو بين طالبي اللجوء على المدن وتفادي “الغيتو” المغلقة وبالتالي منع عزل اللاجئين عن المجتمع الألماني . وجدير بالذكر أن شرط تحديد مكان الإقامة لا يسري على اللاجئين الذي يكون انتقالهم بسبب إيجاد عمل أو الالتحاق بتدريب مهني أو متابعة الدراسة في إحدى الجامعات الألمانية.
“ينبغي مراجعة قوانين الاندماج”
ويطالب خالد الحكومة الألمانية بمراجعة قانون الاندماج وخاصة المتعلق بدورات الاندماج مضيفا بالقول “من غير المنطقي أن تجبر الحكومة الألمانية كبار السن على الالتزام بحضور دورات الاندماج، وعدم الالتزام بذلك يترتب عليه تقليص المعونات الاجتماعية”. وجدير بالذكر أن الحكومة الألمانية كانت قد فرضت على كل طالب لجوء حضور دورات اندماج حتى قبل الاعتراف بطلب لجوئه. خلال هذه الدورات يتعلم طالب اللجوء اللغة الألمانية ويتعرف على تاريخ ألمانيا وعلى القوانين والقيم الألمانية.
ويرى خالد يرى أن مطالبة الحكومة الألمانية اللاجئين بتعلم اللغة هو أمر شبه مستحيل، ويبرر ذلك بالقول: “اللغة لا يمكن تعلمها، بل تكتسب بالاحتكاك مع الآخرين، فكيف لنا أن نكتسب اللغة الألمانية ونحن بعيدون عن الألمان ولا نختلط بهم”.
وإلى جانب تشديد قوانين الاندماج، يشتكي خالد من ضغوطات الحياة اليومية في ألمانيا التي يعاني منها اللاجئ منذ لحظة وصوله إلى ألمانيا. ويقارن حاله بحال إخوته الذين هاجروا إلى كندا ويقول: “تم نقلهم إلى كندا بطائرات خاصة واستقبلوا من قبل لجنة خاصة وتم نقلهم إلى بيوت مفروشة دون نسيان مستلزمات الأطفال، بينما اللاجئ الذي يصل إلى ألمانيا عليه البقاء في المخيمات لمدة قد تصل إلى سنوات”.
مساعدات ربما تكون مشجعة!
يرى خالد أن أكثر ما يزيد ضغوطات الحياة في ألمانيا هو البيروقراطية الألمانية “لدي ما يعادل ثلاث كيلوغرامات من الرسائل منذ وصولي إلى ألمانيا حتى الآن” ويتساءل خالد لماذا لا تتم ترجمة هذا الرسائل إلى اللغة العربية “هناك الكثير من المصطلحات المعقدة، لا يفهمها حتى الألمان”. ويطلب خالد من الدوائر الألمانية الاستعانة بالمترجمين، ما يسهل الكثير ويضيف بالقول “في المستشفيات يتم تقديم تقرير بالألمانية والعربية. فلماذا لا يتم تطبيق ذلك أيضا لدى دائرة مكتب التوظيف ودائرة الأجانب؟”. ولعل أكثر ما أثار استياء خالد في ألمانيا هو أمر البحث عن مكان للسكن، مشيرا إلى أنه من غير الممكن إيجاد شقة بدون الاستعانة بسمسار ويضيف بالقول: “معظم هؤلاء السماسرة هم مهاجرون قدامى ورغم ذلك يحاولون استغلال أبناء بلدهم”.
إلى أن تضع الحرب أوزارها في بلده، يرغب خالد بالعودة إلى إربيل، حيث تجمع أغلب أفراد عائلته “نحن شرق أوسطيون والحياة الاجتماعية مهمة جدا بالنسبة لنا”. لم يأت خالد إلى ألمانيا للاستقرار فيها والعمل، بل لأسباب “طارئة”. وهو يأمل أن يساهم في إعادة إعمار بلده تماما “كما فعل الألمان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية”.
ويذكر أن أولئك الذين يرغبون بالعودة طواعية، يحصلون على دعم مادي من الحكومة الألمانية، وتختلف قيمة الدعم المادي بحسب وضع اللاجئ. فمن يسحب طلب لجوئه بعد أن تمّ الاعتراف به، يحصل على مبلغ مادي بقيمة 1200 يورو للكبار و600 يورو للأطفال. أما من رفض طلب لجوئه ولم يطعن في رفض طلب لجوئه وقرر العودة، عندها يحصل على دعم مادي بقيمة 800 يورو . علما أنه في عام 2016 بلغ عدد اللاجئين الذين غادروا ألمانيا طواعية حوالي 55 ألف شخص.

JoomShaper