أحد أسباب الحصيلة المرتفعة للقتلى في الهجوم الكيماوي على مدينة خان شيخون في 4 نيسان(ابريل) 2017 كان تبعثر ضحايا الهجوم عشوائياً وبالعشرات على مسافات مترامية في الشمال السوري بحثاً عن النجدة الطبية، بعد أن دمر هجوم جوي تلى المجزرة بساعات آخر مستشفى في المنطقة وهو مكتظ بالمصابين، كان يدعى مستشفى «مغارة الرحمة» في خان شيخون. المستشفى حُفر في الصخر أسفل تلة يصل ارتفاعها إلى عدة أمتار ظن مؤسسوه أنها ستحميهم من القصف. وهو المستشفى الخامس الذي يتم استهدافه وتدميره في غارات جوية خلال أقل من عشرة أيام قبيل الهجوم الكيماوي في المنطقة الممتدة بين ريف ادلب الجنوبي وريف حماه الشمالي.
صباح 25 آذار(مارس) تعرض مستشفى اللطامنة الجراحي بريف حماة (13 كيلومتراً جنوب خان شيخون) لهجوم جوي ببراميل حملـت مواد سامة أدى لمقتل الطبيب الجراح علي الدرويش أثناء قيامه بعملية جراحية بالإضافة لمريض آخر، كما خلف على
الأقل 13 إصابة من الكوادر الطبية والمراجعين، وبذلك خرج المستشفى من الخدمة وفق ما أعلنت «أطباء بلا حدود» بعد أيام.
بعد ساعات في اليوم ذاته تعرض مستشفى كفرنبل (21 كيلومتراً شمال خان شيخون) لأربع غارات من طائرتين حربيتين دمرتا المستشفى بشكل كامل، والمنفذ «صديق أشقر» وهو الوصف الذي تستخدمه أبراج القيادة في مطارات النظام لوصف الطائرات الروسية. الطائرتان من طراز سوخوي 25، أقلعتا من قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية وفق مراصد الطيران وقذفتا عدداً كبيراً من صواريخ C8 على المستشفى الذي خرج بدوره عن الخدمة.
بعد ثلاثة أيام اي ظهر الثلثاء 28 آذار استُهدف المركز الطبي في بلدة كفرنبودة (14 كيلومتراً غرب خان شيخون) جرح شخص واحد في الهجوم وتوقف المركز عن العمل. لكن الضربة الأقسى كانت مساء الاحد 2 نيسان(ابريل) واستهدفت المستشفى الوطني في مدينة معرة النعمان (23 كيلومتراً شمال خان شيخون) وهو المستشفى الأكبر في الشمال السوري، انهالت عليه ستة صواريخ فراغية لتخلف أضراراً كبيرة في الكتلة المركزية من البناء. المستشفى محصن ويقول الطبيب مالك بزع مدير قسم الإسعاف والعمليات الجراحية: «المبنى مؤلف من ثلاثة طوابق تبلغ سماكة السقف في الطابق الأخير نحو متر من الإسمنت المسلح، لم نكن نتخيل ان تخترق الصواريخ كل السقوف وصولاً الى الطوابق السفلى وتدمر المستشفى بهذا الشكل».
«كان الهدف من هذه الضربات والهجوم الكيماوي الذي لحقها بث الذعر واليأس بين الناس». يقول الدكتور مالك بزع : «لو لم يُقصف مستشفانا لما سقط هذا العدد من الشهداء في خان شيخون، كانت الأمور لتختلف لو لم يضطر المصابون لخوض رحلة البحث عن مستشفى امتدت لساعات وأدت لإصابات إضافية بين المسعفين نتيجة الاحتكاك».
قبل ذلك، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان (وهي منظمة حقوقية سورية مستقلة تأسست عام 2011) خلال شهر آذار من هذا العام 86 حادثة اعتداء على المراكز الحيوية من جانب قوات النظام وحليفها الروسي من بينها 13 مستشفى ومركزاً طبياً بالإضافة لثلاث سيارات إسعاف. وكذلك كان الأمر طيلة الأشهر السابقة حيث استهدفت المستشفيات بشكل ممنهج كما يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: «رسالة النظام وحلفائه واضحة وهي هاجروا أو موتوا... يريد أن يجعل الحياة في مناطق المعارضة مستحيلة وان يجبر من بقي من السكان على المغادرة». ولعلها الطريقة الوحيدة التي قد يتمكن خلالها النظام من السيطرة على تلك المناطق عسكرياً.
لكن الحال يبدو أسوأ اليوم بعد ثلاثة أسابيع على مجزرة خان شيخون كما يقول الصحافي الميداني عمر حاج قدور الذي كان شاهداً على دمار مستشفى مغارة الرحمة: «كان هجوم خان شيخون فاتحة لتصعيد عنف النظام وحلفائه إلى مستوى أكثر وحشية ضد المدنيين». وبالفعل أحصى الدفاع المدني السوري في تقرير اولي عن شهر ابريل استهداف أربعة عشر مستشفى ومركزاً طبياً كان أولها مستشفى معرة النعمان المذكور الذي لم تقع فيه خسائر بشرية وآخرها مستشفى الجامعة السورية في ريف ادلب الجنوبي في 27 نيسان والذي خلف ثلاثة قتلى وجرحى آخرين بات من الأصعب عليهم الآن الوصول الى العلاج.
الدكتور منذر الخليل الذي كان مديراً لصحة إدلب حتى أيام مضت صرح في زيارة ميدانية له أن من بين 45 مستشفى كانت تعمل في محافظة ادلب 40 منها تعرض للقصف الجوي بشكل مباشر خلال الأشهر الماضية، وهي أزمة خطيرة بالنسبة لأكثر من مليوني نسمة وفق اقل التقديرات يعيشون في محافظة ادلب التي استقبلت أيضاً عشرات آلاف من مهجري حلب وحمص وريف دمشق. وكذلك الحال في مناطق ريف حماة الشمالي وبدرجة أقل ريف حلب الغربي.