محسن محمد
أخبار منوعات
صحيفة الوسط - لطالما تطلّعت مها السيد إلى الذهاب إلى صالونات التجميل مع جدتها وهي طفلة. فقد كانت تعشق أجواء المكان الذي تطغى عليه رائحة طلاء الأظافر وأصوات الفتيات وهنّ يتحدثن، كما أحبت الحصول على تسريحة جديدة في كل مرة تذهب فيها.
هذا ما نقلته الصحافية جهاد أباظة عن السورية مها السيد، في تقريرها الذي نشر في صحيفة «ميدل إيست آي»، وينقله «صحيفة الوسط» مترجمًا:
وعندما كبرت، راودها حلم امتلاك صالون التجميل الخاص بها. لذا، فقد أمضت 13 عامًا في الحصول على دورات وحضور ورش عمل وصقل مهاراتها في مجال تسريحات الشعر، وافتتحت أخيرًا صالون تجميل خاصًّا بها في دمشق. ولكن مع تصاعد حدة الحرب في سوريا – وبعد أن مضى على تتويج الصالون 3 أشهر فقط – اضُطرت لإغلاقه والفرار إلى مصر في

2012.
«لم أحصل على فرصة للاستمتاع بالصالون» ذكرت مها، بينما كانت تنتظر إقبال العملاء على متجرها الجديد في مصر، المزين بأوراق جدران وردية وبنفسجية، وأضافت اشتدّ القتال حيثما كنا نسكن في ضواحي دمشق، لذا جمعنا ما استطعنا من الأغراض ورحلنا».
وفي مصر، تمكنت مها من الحصول على وظيفة بعد وصولها بشهر. بيد أنّ هبوط أجرها وعملها لساعات طويلة تحت مديرين سيئين، دفعها إلى إنعاش حلمها في تتويج صالونها بشكل حـديث. تكشف النقاب عن مها بفخر «لقد أمضيت عامين أحلم بهذا، وسبحان الله فقد تحقق الحلم. رمضان الحالي يمثل الذكرى الأولى لافتتاح الصالون».
وفقًا لدراسة حديثة أعدها برنامج الأمم المتحدة للتنمية تحت عنوان «الوظائف تصنع الفرق»، فقد بلغ مجموع الاستثمارات بين اللاجئين السوريين وشركائهم المصريين حوالي 800 مليون دولار في 2011. ويشير البرنامج إلى أنّه من المرجح أن يكون الرقم أكبر من ذلك؛ إذ أنّ الكثير من الناس لا يسجلون أعمالهم بشكل رسمي في مصر.
وتشير الدراسة بشكل مقتضب أيضًا إلى أنّه بالنسبة إلى حوالي 40 في المائة من الأسر السورية المتواجدة في بلدان مثل مصر والأردن وتركيا، فإنّ الفتيات هنّ المعيل الأساسي للأسرة. إحداهنّ هي مرام أحمد، وهي سيدة أعمال تدير صالون تجميل في مصر أيضًا وتخطط لافتتاح صالة للألعاب صحيفة الوسط. وقد كانت تدير ترويج مماثلة في دمشق قبل الحرب.
تكشف النقاب عن مرام أحمد – التي فضلت عدم استخدام اسمها الحقيقي – لميدل إيست آي «أمتلك عقل سيدة أعمال، ولطالما كنت أهتم بفتح المشاريع». وافتتحت صالون حلاقة منفصلًا لزوجها وابنها حتى يعملا فيه، إلى جانب صالون التجميل الخاص بالسيدات.
وأضافت «أحب التجارة والمشاريع والمتاجرة. لقد افتتحت صالون حلاقة صغيرًا لزوجي وابني كي يعملا فيه وهو ينمو ببطء». وأوضحت أنّ زوجها يقدر مهاراتها التجارية والإدارية. تفضل مرام تولّي الأعمال الإدارية والمحاسبية خلف الكواليس. وقد استأجرت سيدتين سوريتين لخدمة العملاء والعناية بالصالون.
تكشف النقاب عن مرام «إنّ إحدى إيجابيات المشروع هي أنّني أساعد على خلق وظائف للنسوة الأخريات»، وأضافت أنّ العاملات لديها يشعرن بالراحة. أما بالنسبة إلى أميرة مرزوق وسمر القاضي، فقد كانت الحاجة الملحة هي ما دفعتهما إلى تتويج مشروعيهما.
«ما كنتُ لأعود قط للعمل في سوريا» تكشف النقاب عن أميرة مرزوق، التي تعمل في بيع الملابس والحقائب والصناديق المصنوعة في المنزل. وتضيف «قبل أن يجري تهجيرنا، اعتمدت الكثير من الفتيات باماكوًا على أزواجهنّ، لكنهنّ فقدنهم في هذه الحرب. لذا اعتمدنا على هذه المشاريع، وفي حين أنّها قد تبدو بسيطة في المسمى والحجم، إلا أنّها كبيرة بالنسبة إلينا».
لم يكن من السهل على هؤلاء الفتيات السوريات أن يجدن موطئ قدم لهنّ في السوق المصرية، بعد أن تعرضن أحيانًا للتحرشات الجنسية والتمييز. تكشف النقاب عن مها السيد «كان هناك ذات مرة امرأة رفضت أن أعمل على شعرها لأنّني سورية، وقد أغضبني ذلك بشدة. كنتُ أعمل في صالون آخر حينئذٍ ولم يفعل مالك الصالون شيئًا؛ ببساطة أتى بفتاة أخرى لتعمل على شعرها».
وقد اضطُرت أميرة مرزوق للتعامل مع التحرشات الجنسية وعانت من أجل الحصول على وظيفة قبل أن تنخرط في مشروعها الخاص. تكشف النقاب عن أميرة «بوصفنا نساء، لم نكن على معرفة بالسوق. لذا في البداية، حاولت أن أعرض عملي على ملاك المتاجر، لكني قوبلت بالقليل من الاحترام ولم أكن أُعامل بشكل جاد. دخلت متجرين فقط ثم أقرت عدم تعريض نفسي لمعاملة كهذه».
وتضيف «دخلت إلى أحد المتاجر لأعرض عملي عليهم لبحث شراكة محتملة. فعرضت شركة متنوعة من الأشياء على المالك، بما في ذلك ملابس داخلية نسائية. فترك كل شيء وسألني بخصوص الملابس الداخلية النسائية وأطلق تعليقًا غير لائق عن ارتدائي إياها».
لم تتمكن أميرة مرزوق من اِلْتِقَاط على عمل بسهولة لأنّها تحمل شهادة ثانوية، لذا أقرت البدء في مشروعها الخاص. ولكن لأنّ لديها خمسة أطفال، فقد كان من الصعب استثمار أي ربح ضئيل في تجارتها الجديدة. ذكرت «واجهت الفتيات السوريات الكثير من التحديات. لقد بدأنا من الصفر، لكن كان بمقدورنا الصمود».
اضطُرت أميرة مرزوق للتعامل مع التحرشات الجنسية وعانت من أجل الحصول على
وظيفة قبل أن تنخرط في مشروعها الخاص. تكشف النقاب عن: «حاولت أن أعرض عملي على ملاك المتاجر، لكني
قوبلت بالقليل من الاحترام ولم أكن أُعامل بشكل جاد.
خلال الأشهر الستة الأخيرة، كانت سمر القاضي – وهي أم لطفلين – تعمل على إنتاج أنواع مختلفة من المنظفات، وتقوم ببيعها إلى ربات البيوت والمطاعم والمتاجر. أعلنت القاضي لميدل إيست آي بالقول «لم أتخيل قط أنني سأصبح أرملة. ولم أضطر إلى الشغل في السابق وقد كانت حياتي في سوريا فارهة إلى حد بعيد. كنتُ نادرًا ما أذهب لشراء الحاجيات من البقالة».
بعد وفاة زوجها من ذبحة صدرية قبل سنة ونصف في مصر، بدأت سمر الشغل مُدرسة. وبعد مرور بعض الوقت، كانت بحاجة إلى أن تكون متاحة أضخم لأطفالها وبدأت مشروع الطبخ الخاص بها من المنزل. في نهاية المطاف، أدركت أن صناعة الأغذية السورية كانت تنافسية للغاية وبدأت في إنتاج المنظفات ومنتجات العناية بالبشرة. ذكرت سمر «هناك لحظات تشعر فيها أنّك تحفر الحديد. لكن عليك أن تنساها سريعًا».
إن الحالة المتدهورة بالفعل للاقتصاد المصري وارتفاع الأسعار تضيف طبقة أخرى من العقبات أمام الفتاة العاملة. وحتى بعد تحضير طلب للحصول على منحة من مؤسسة الغد للإغاثة السورية – وهي منظمة غير حكومية محلية – التي تقدم الدعم للسوريين، تلقت مها السيد 4000 جنيه فقط "221 دولارًا) لمساعدتها على دعم أعمالها بعد إطلاقها.
تكشف النقاب عن مها «هذا المبلغ لا يكفي لشراء مقاعد حتى. أنا أدين بالمال لبعض الناس، وقد تضاعفت تكاليف منتجات الشعر ضعفين أو ثلاثة. تأتي أيام تغطي فيها عميلتان مصاريفي الشهرية، ثمّ تمر ثلاثة أسابيع لا أجني فيها شيئًا. وفي هذه الأيام، بالكاد أجني ما يغطي إيجار المتجر».
لكن والدتها – التي فرّت من سوريا منذ شهر بعد أن استوفت مها جميع الإجراءات البيروقراطية لتوثيق أوراقها باعتبارها لاجئة في مصر – تكشف النقاب عن إنها فخورة بابنتها. «أشعر بالسعادة لأنّها حققت حلمها. لقد عانت كثيرًا كي تصل إلى هذه النقطة». تكشف النقاب عن الأم في رضى وهي تجلس بجوار ابنتها.
أميرة مرزوق تصنع حليًّا وأدوات من خامات مختلفة وتبيعها لمساعدة أسرتها. المصدر (ميدل إيست آي)
تقيم أميرة مرزوق ورش عمل مجانية للنساء لنقل مهاراتها وخبرتها لمساعدتهنّ على تجاوز الصعاب التي واجهتها. تكشف النقاب عن أميرة «لدي هدف يتمثّل في توظيف الفتيات اللاتي لا يحصلن على دعم باماكو ولا يحملن شهادات عليا. لأنني عانيت في هذا الصدد. لم يكن في وسعي الحصول على وظيفة، لكنني الآن أساعد 150 عائلة».
تكشف النقاب عن هؤلاء الفتيات إنّهن يستطعن تحقيق أي شيء والسماء هي حدهنّ. وقعت أميرة مرزوق بالفعل عقدًا لإنتاج صناديق لشركة عطور محلية. وذكرت «إن هدفي هو التنافس مع بكين». تسعى مها السيد إلى توسيع متجرها. وتفكر مرام أحمد في تتويج صالة ألعاب رياضية، وبدأت سمر القاضي في بيع منتجات العناية بالبشرة التي تعدها في المنزل.
تكشف النقاب عن سمر وهي تتفكر في معاناة الفتيات السوريات «باتت الفتاة هي الأم والأب. وحتى لو تواجد الزوج، فهي من تحمل العبء. تعيّن علينا أن نقوي من أنفسنا. لكننا لم ننس أنوثتنا، بل على العكس، فهذا جزء منها. لقد أظهرت لنا هذه التجارب مدار قوتنا بفضل الله».

JoomShaper