أورينت نت- عبد السلام حاج بكري
تاريخ النشر: 2021-06-29 07:18
تظاهر بتفحّص البندورة تمهيدا للشراء، وعندما انشغل صاحب البسطة، خطف حبّة ووضعها في كيس صغير يحمله، وهمّ بمغادرة المكان، لكن بائعا على بسطة مجاورة صرخ لصاحب بسطة البندورة منوّها بالسارق، هجم عليه محاولا ضربه لولا وقوف بعض رواد سوق الخضار بوجهه، قبل أن يخبره رجل وعلائم القهر والذلّ ترافق صوته وانحناءة رأسه بأنه أخذ حبّة واحدة، وهو سيعيدها للبسطة.
سحبه رجل آخر من أمام البسطة قاطعا حديثه، وكأنه يحاول تجنيبه المزيد من الانكسار، وهو ما حصل، حيث اقتاده إلى محله المخصص لبيع الخضار في صدر السوق، وطلب له الشاي، وبينما جلس مطأطئاً رأسه يرشفها، راح يملأ له صندوقا من مختلف الخضار والفواكه.
إنها حادثة من عشرات مثلها تشهدها مدن الساحل، وباتت مشهدا مألوفا، وما يتمّ التكتّم عليه أكثر من ذلك، ويعود السبب لتصاعد الفقر بوتيرة سريعة في الفترة الأخيرة تفوق الشهور الماضية، وتضاعف عجز كثيرين عن شراء أرخص أنواع الخضار كالبندورة مثلا.
اشتداد الفقر
لماذا يسفح رجل حياءه مقابل حبّة بندورة؟ سؤال يجيب عنه دكتور في علم الاجتماع في جامعة تشرين "لا يحتاج الأمر كثير خبرة لشرح ذلك، ربما اشتهى طفله خضارا يعجز الأب عن شرائها، ولا شك أنه ما كان ليفعلها لو شكّ للحظة بأنه قد يتعرض لموقف محرج كالذي ذكرتَه لي".
وأضاف الدكتور في حديثه للناشط محمد الساحلي المتعاون مع أورينت نت: عندما يعجز الرجل عن تأمين أبسط احتياجات أسرته يتعرّض للإحراج في منزله ويبدو صغيرا بأعين أفراد أسرته، يبحث عن طريقة للتخلّص من ذلك، ولو كان هذا الحلّ غير شرعي، وأظن أن هذا يحدث كثيرا مؤخرا مع اشتداد الفقر على كثيرين، لا سيما أصحاب الدخل المحدود.
مع استمرار هبوط قيمة الليرة أمام الدولار الأمريكي وضعف قيمتها الشرائية بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، خصوصا مع الأنباء الواردة عن تصدير الخضار للعراق، تضاعفت الشرائح المجتمعية التي تعجز عن شرائها، ويحاول البعض الحصول عليها بأي طريقة كانت لإطعام أولاده وأسرته.
صور وتعليق
سيدة في سوق البازار وسط المدينة تلتقط بيضة من محل بقالة وتضعها في سلة تحملها، ولم تبدر من صاحب المحل ردة فعل على ذلك، واكتفى بالتجاهل، ووصف الواقعة للناشط الإعلامي معقّبا: شاهدتها بوضوح ولم أشأ إحراجها، لعلّها تريد إطعام طفلها الجائع، إنه أمر يتكرر عشرات المرات يوميا، ولولا أن محلّي كبير وأرباحه مقبولة لكنت تعرضت للخسارة.
وكان بائع ألبان وأجبان على بسطة قرب البقالة يستمع للحديث، فشارك فيه مشيرا إلى أنه يصادف مثل هذا الموقف عدة مرات يوميا، مؤكدا أنه يتجاهل الأمر إذا كانت الكمية المأخوذة قليلة، ولا يسكت إن كانت كبيرة، معلّلا ذلك بالقول: أنا لدي أطفال أريد أن أطعمهم أيضا.
مشادات بين أصحاب محلات خضار وفواكه وبسطات في الأسواق العامة ورجال ونساء على حد سواء على خلفية محاولة هؤلاء الحصول على القليل بطريقة غير شرعية، وينتهي الأمر غالبا هكذا دون الاضطرار لتدخل الشرطة، إما لعدم أهمية الأمر أو لتسامح الباعة مع الفقراء، وكثيرا ما يتدخّل رجال أو نساء لتدارك المشكلة بشراء القليل للمحتاجين.
للتذكير فقط: إن راتب الموظف الحكومي لا يسد حاجة أسرة من خمسة أشخاص إلى أكثر من مادة الخبز، ويبقى لكم قرّاؤنا أن تضعوا احتمالات كيفية توفير رب الأسرة الطعام لأسرته، لا شك أن سفح الحياء والكرامة مقابله بات أمرا مألوفا في الساحل السوري، ويرتفع في الوسط المحسوب على المعارضة، وينخفض إلى حدّ في جانب الموالين حيث يمارس أكثرهم السرقة والتشبيح والتهريب.