أورينت نت - سونيا العلي
تاريخ النشر: 2021-08-10 23:50
في ساحة مليئة بالخردوات ومخلفات الحرب في بلدة معرة مصرين بريف إدلب، وجد الطفلان مالك جنيد (9 سنوات) وعبد الكريم الحمود (12 عاماً) في حمل فوارغ القذائف والصواريخ مصدر رزق لهما بحملها وتفكيكها والعمل على فرزها وترتيبها لتحميلها إلى سيارات الشحن ليجري نقلها لاحقاً، بدلاً من اللحاق بالمدرسة كباقي الأطفال ممن حالفهم الحظ في التعليم.


حرمت الحرب في سوريا العديد من الأطفال في إدلب من طفولتهم، واغتالت أحلامهم بمتابعة دراستهم، بسبب فقدان المعيل وظروف المعيشة الصعبة، ومرغمين دفعتهم نحو أسواق العمل، ومنهم من اضطر للعمل لمزاولة أعمال شاقة وخطرة تهدد حياتهم وتسلبهم حقوقهم في ظل العوز وشح الفرص.
انغماس مالك وعبد الكريم في العمل بمهنة غير مألوفة لهما، خلقت لديهما مخاوف شتى، فمالك الذي نزح من مدينة اللطامنة بريف حماة لا زالت طفولته وصغر سنه عاجزين عن التعامل مع مخلفات القذائف، يقول: "أكثر ما يخيفني هو احتمال انفجار قنبلة أو قذيفة بشكل مفاجئ، لذلك عليّ أن أبقى حذراً طوال الوقت".
يشاطره المعاناة عبد الكريم الحمود، الذي يحمل مخلفات الصواريخ في المستودع ذاته، ويجري ترتيبها فوق بعضها البعض في صفوف متراصة، يعمل دون كلل وعرق جبينه يتصبب على ملامح وجهه الذي اختفت منه ملامح طفولة كانت حاضرة بالأمس القريب.
لا خيارات أفضل أمام الطفلين، فوالد عبد الكريم مريض طريح الفراش، ولا معيل لعائلته سواه، يقول عبد الكريم وهو يحمل الصواريخ الفارغة وقطع الحديد بصعوبة تفوق قدرة جسده: "أريد أن تعيش أسرتي حياة كريمة، لذلك أعمل في هذا المكان لتأمين مصروف المنزل، أبي مريض، وإن لم أعمل فلا أحد يستطيع العمل".
مصائب قومٍ عند قوم فوائد
يزداد عمل عبد الكريم وصديقه مالك كلما اشتد القصف وزاد عدد الغارات الجوية على مناطقهما، ورغم خطورة الوضع، يضطر كليهما لتحمّل مخاطر العمل طالما أنّ عائلتيهما بحاجة إلى مردود مالي.
ولا تقتصر مخاطر العمل على انفجار محتمل لبقايا صاروخ أو قذيفة فحسب، بل قد يضطر الطفلان إلى العمل لساعات طويلة بحسب كثرة فوارغ القذائف وتوفرها فضلاً عن حملهما لأوزان ثقيلة من الحديد تثقل كاهل جسديهما الغضّين.
وتشكل مخلفات الحرب التي تسببت بمقتل وإصابة الكثير من أهالي إدلب مصدر رزق للبعض، من خلال الاستفادة من الحديد والمواد المتفجرة، وهذا ما أكده أبو مالك (41 عاماً) صاحب أحد مستودعات تجميع مخلفات الصواريخ في المنطقة.
يقول أبو مالك في حديثه لأورينت: "نزيل الخطر من القذائف والصواريخ، ثم نبيع حديدها للصناعيين، فمنهم من يأخذها ليصنع منها المدافئ، أو معامل صهر الحديد لتحويلها إلى حديد للبناء، كما نستفيد أيضاً من ثمن المواد المتفجرة التي نبيعها للمقالع الحجرية المنتشرة في المنطقة".
وأشار أبا مالك إلى مساهمة المدنيين ودعواتهم له ولغيره في جمع وإزالة مخلفات الحرب غير المنفجرة لضمان بيئة آمنة. في الوقت ذاته يشتري أبا مالك حديد المتفجرات من مقاتلين تابعين لفصائل المعارضة في المنطقة، بغرض تفكيكها، والاستفادة من حديدها الصلب واستعمالاتها المتعددة، مشيراً إلى أنّ تفكيك قذيفة واحد قد يستمر يوماً كاملاً.
وحول انغماس الأطفال بالعمل في جمع المخلفات، علّل أبو مالك عمل ابنه وصديقه بضيق الحال وصعوبة الوضع المعيشي الذي بات يتطلب عمل كافة أفراد العائلة.
وبجانب الأرباح الماديّة؛ لعمالة أطفال كل عائلة ضريبتها، إذ لخّصت أخصائية الإرشاد النفسي نور الأسعد أسباب عمل الأطفال بفقدان المعيل والفقر والغلاء التي دفعت بالأطفال إلى الانخراط في العمل، إذ أرغم العديد منهم على إعالة أسرة كاملة أو المساهمة في توفير احتياجات المنزل المختلفة.
وتؤكد الأسعد أنّ عمالة تسبب للأطفال الكثير من الأضرار الجسدية والنفسية على حدٍّ سواء، كالجهد والإرهاق وغياب الاستقرار النفسي؛ فالعديد من الأطفال يضطرون لمزاولة أعمال لا تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم وقواهم البدنية، مما يؤدي إلى اضطراب في شخصية الطفل، ناهيك عن تعرضهم للأمراض النفسية والجسدية، ويهددهم بالإصابة بالشيخوخة المبكرة.
وختمت الأسعد: "توجّه الأطفال نحو بيئات العمل يُعرضهم للاستغلال ويحرمهم من الطفولة، ويمسُّ بكرامتهم وإمكاناتهم، ويعيق قدرتهم على التمتع بحقوقهم الأساسية كالتعليم والتغذية والحماية، ويهدد صحتهم وحتى مستقبلهم".

JoomShaper