هبة محمد
دمشق ـ «القدس العربي»: أعلن برنامج “الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة”، يوم الجمعة، تسجيل أكثر من 3500 حالة جديدة يشتبه بإصابتها بوباء الكوليرا شمال غربي سوريا. ونشر البرنامج عبر معرفاته الرسمية، تسجيل 3790 حالة يشتبه بإصابتها خلال الأسبوع الفائت، ما رفع حصيلة الحالات المشتبهة بها إلى 117 ألفاً و195. وارتفع إجمالي الحالات المؤكدة إصابتها بالكوليرا في شمال غربي سوريا بلغ 878، في حين توفي 24 شخصًا منذ انتشار المرض.


انتشار المرض
مدير البرامج في الرابطة الطبية للمغتربين السوريين “سيما” الطبيب واصل الجرك توقع في تصريح لـ “القدس العربي” انتشار المرض وزيادة أعداد المصابين عازياً ذلك إلى سببين رئيسيين. وقال الجرك: إن الزلزال تسبب بتضرر البنى التحتية ونزوح عائلات إضافية، وإنشاء مخيمات جديدة، تنخفض فيها جودة خدمات ومرافق الصرف الصحي والنظافة، وهو ما يساهم بانتشار الأوبئة عموما ومنها الكوليرا. أما السبب الثاني، بحسب الطبيب هي الظروف الحالية التي أجبرت الناس على إهمال شروط الصحة والرعاية الطبية، ما جعل الأمراض الإنتانية ومنها الكوليرا المنتشرة في المنطقة حاليًا ليست أولوية لدى الناس، التي تعتبر أن همها الأساسي هو تأمين المسكن، وهذا عامل يساهم في زيادة عدد الحالات وزيادة الانتشار وعدم طلب الرعاية الصحية لهؤلاء المرضى.
وحول العلاج المتوفر قال الطبيب المتابع عن كثب في مستشفيات شمال سوريا: إن منظمة الصحة العالمية لا تزال تؤمن الأدوية اللازمة لعلاج الكوليرا وتزود مراكز العلاج في شمال سوريا. وأبدى الطبيب تخوفه من زيادة أعداد المرضى، في ظل هذه “الظروف التي حولت الكوليرا لمرض منسي بسبب التجاذبات السياسية وتغير سياسات الدعم شمال غربي سوريا وتسليم الكثير من منظمات الأمم المتحدة مشاريعها لمنظمات دولية وعدم قدرة هذه المنظمات على تغطية الفجوة مباشرة، ما تسبب بفجوة مهمة بالقطاع الصحي”.
وحول التحديات أمام القطاع الصحي قال الطبيب إن زيادة أعداد المرضى يهدد القطاع الصحي دائماً، عازياً السبب إلى البنية التحتية في المنطقة والنظام الصحي ضعيف جداً، وهو ما يفاقم أي حالة ومنها الكوليرا، ما يهدد بدوره بنتائج كارثية. لقد أدى الصراع الذي دام أحد عشر عاماً، والانكماش الاجتماعي والاقتصادي، ونزوح السكان، ومخاطر الصحة العامة المتعددة، بما في ذلك فاشيات الأمراض، إلى فرض ضغوط كبيرة على النظام الصحي المُمزَّق في سوريا.
وتقول الدكتورة إيمان الشنقيطي، القائمة بأعمال ممثل منظمة الصحة العالمية في سوريا: “ما زال ما يقرب من 30% من جميع المرافق الصحية العامة في سوريا متوقفة عن العمل وغير قادرة على تلبية الاحتياجات الصحية المتزايدة”. “والشعب السوري يحاول جاهدًا منذ سنوات البقاء على قيد الحياة فحسب، وتهديد الكوليرا كابوس غير مرحب به يطارد الملايين. ويمثل النقص الحاد في العاملين في مجال الرعاية الصحية تحديًا آخر لا مفر منه. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف المعيشية دون المستوى الأمثل، ومحدودية الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، ولا سيّما في المجتمعات المحلية المثقلة بالأعباء والمخيمات/المواقع التي تضم النازحين داخليًا، قد زادت من خطر التعرض لفاشيات الأمراض. وتتطلب البنية التحتية للخدمات الصحية الأساسية قدرًا كبيرًا من الصيانة وإعادة التأهيل لتوفير حد أدنى من مستوى تقديم الخدمات بحسب منظمة الصحة العالمية.
تعريف الكوليرا
ويعرف الكوليرا بأنه مرض ناجم عن إصابة بكتيرية يمكن أن يتسبب في الإصابة بإسهال مائي حاد، ويستغرق فترة تتراوح بين 12 ساعة و5 أيام لكي تظهر أعراضه على الشخص عقب تناوله أطعمة ملوثة أو شربه مياهاً ملوثة. وتصيب الكوليرا الأطفال والبالغين على حد سواء. ومعظم من يُصابون بعدوى المرض يبدون أعراضاً خفيفة أو معتدلة، بينما تُصاب أقلية منهم بإسهال مائي حاد مصحوب بجفاف شديد، ويمكن أن يسبب ذلك الوفاة إذا تُرك من دون علاج.
وكانت منظمة “أطباء بلا حدود” قد أعلنت في وقت سابق، أن مناطق شمال غربي وشمال شرقي سوريا تواجه خطر تفشي وباء الكوليرا، مشيرة إلى المياه الملوثة والنقص الحاد بالاستجابة الإنسانية وأسباباً أخرى تهدد بانتشار المرض في جميع أرجاء سوريا. مؤكدةً أن وصول الأهالي إلى المياه الكافية والنظيفة ما يزال يمثل مشكلة مقلقة.
ومنذ إعلان أول حالة إصابة في 6 أيلول/سبتمبر 2022، انتشرت الكوليرا في جميع المحافظات السورية البالغ عددها 14 محافظة، مما أضاف فصلًا قاسيًا آخر من فصول المعاناة الإنسانية في البلد الذي مزقته الحرب. وفي شمال غربي سوريا، قدَّمت المنظمة العام الفائت الدعم إلى 6 مراكز لعلاج الكوليرا تعمل الآن بكامل طاقتها وتتسع لـ126 سريرًا، بالإضافة إلى ثلاث نقاط عاملة للعلاج بالإماهة الفموية، ويجري حاليًا تجهيز 11 مركزًا آخر.
وفي شمال شرقي سوريا، قدمت المنظمة الدعم لمراكز علاج الكوليرا، بما في ذلك توزيع أكثر من 30 طنًا من الإمدادات (مجموعات أدوات الكوليرا، وأقراص تنقية المياه، والإمدادات الطبية)؛ وعقد دورات تدريبية لبناء القدرات لعدد 200 من العاملين في الرعاية الصحية حول التدبير العلاجي للحالات؛ والترصُّد الفعال عن طريق الزيارات اليومية للمستشفيات العامة والخاصة، بالإضافة إلى الجهود المتواصلة لتكثيف فحص المياه.
يقول الدكتور باسل زينو، مدير مستشفى زاهي أزرق في حلب: “إن الكوليرا ليست مرضًا شائعًا في سوريا، ومنذ بداية الفاشية، نُظِّمت دورات تدريبية لبناء القدرات للأطباء والعاملين في المجال الطبي بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، وبالإضافة إلى ذلك، دعمت المنظمة إعداد وحدة علاج الكوليرا في المستشفى”. وتكمن الصعوبات في تزايد عدد الحالات، وعدم القدرة على التنبؤ بانتشار المرض في مناطق جديدة، والاستهلاك الكبير للسوائل الوريدية والأدوية والمستلزمات الطبية، مما أدى إلى نقص هذه الإمدادات والمستُهلَكَات. وفي الوقت الحالي، وبالتعاون مع السلطات الصحية المعنية والشركاء المعنيين، تتمثل مهمتنا في تأمين هذه المستلزمات”.

JoomShaper