باسل المحمد
أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في 5 ديسمبر/كانون الأول الحاليّ موعد انتهاء برنامج مساعداته الغذائية العامة في جميع أنحاء سوريا، وذلك بحلول عام 2024، مرجعًا ذلك إلى النقص الحاد في التمويل، الذي أدى بالفعل إلى تقليص برنامج مساعداته في سوريا، ليكون هذا القرار التخفيض السابع منذ انطلاق عمل البرنامج في سوريا والأكبر من نوعه.
وبرر البيان نقص دعم الجهات المانحة بمستوى الاحتياجات الإنسانية الكبير حول العالم والتحديات الاقتصادية العالمية والتشديد المالي من جانب الجهات المانحة الرئيسة، ما أدى إلى عدم تقديم نفس المستوى من الدعم لسوريا.


كان هذا البرنامج يقدم مساعدات غذائية منقذة لحياة 5.6 مليون شخص في سوريا كل شهر، حيث تدعم هذه المساعدات العائلات بحصص غذائية أو قسائم قيمة لشراء الطعام، وتوفر لأطفال المدارس في جميع أنحاء البلاد وجبات خفيفة صحية، وتمنع سوء تغذية الأمهات والأطفال وتعالجهم.
إلا أنه في 13 يونيو/حزيران الماضي، أعلن برنامج الغذاء العالمي عن تخفيض مساعداته الغذائية لنحو 2.5 مليون شخص، بعد أن كان يقدمها لما يقارب 5.5 مليون شخص يعتمدون على المساعدات في سوريا، معللًا أسباب ذلك أيضًا بأزمة نقص التمويل.
فئات مستثناة
إلا أن البرامج أوضح إلى جانب ذلك أن هناك فئات من السكان مستثناة من هذا القرار، هي الأسر المتضررة من حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية في جميع أنحاء البلاد من خلال تدخلات طارئة أصغر وموجهة أكثر.
كما سيواصل برنامج الأغذية العالمي أيضًا مساعدة الأطفال دون سن الخامسة والأمهات الحوامل والمرضعات من خلال برامج التغذية، والأطفال في المدارس ومراكز التعلم من خلال برنامج الوجبات المدرسية.
وكان برنامج التغذية العالمي قد أصدر تقريرًا في 13 يونيو/حزيران الماضي كشف فيه أن معدلات سوء التغذية في أعلى مستوياتها على الإطلاق، إذ تعاني واحدة من أربع من الأمهات الحوامل والمرضعات من سوء التغذية الحاد، إضافة إلى ذلك يعاني في بعض أجزاء من البلاد طفل من كل أربعة من التقزم، وفي ختام التقرير نوَّه البرنامج أنه دون توافر المساعدات الكافية في الوقت المناسب سيكون جيل سوريا القادم ومستقبلها في خطر.
إلى جانب ذلك سيستمر “WFP” (برنامج التغذية العالمي) بدعم الأسر الزراعية المدرجة في برنامج دعم سبل العيش، كما سيواصل البرنامج تدخلاته لدعم تعافي النظم الغذائية المحلية، مثل إعادة تأهيل أنظمة الري والمخابز.
عواقب كارثية
فريق “منسقو استجابة سوريا” حذّر من التداعيات والآثار السلبية لهذا القرار، خاصة فيما يتعلق بسكان المخيمات ومناطق شمال غربي سوريا بشكل عام.
وفي تقرير أصدره في 14 يونيو/حزيران عبّر الفريق عن أسفه الشديد من التخفيض الجديد للمساعدات، منبّهًا إلى أن هذا التخفيض لا يتناسب مع تقييم الاحتياجات الإنسانية في سوريا، وأضاف “منسقو الاستجابة” أن مئات آلاف المدنيين وصلوا إلى مستويات جديدة من الفقر والجوع، بالإضافة إلى العجز الأساسي لعمليات الاستجابة الإنسانية الذي وصل إلى مستويات قياسية.
وطالب الفريق كل الجهات الدولية بالعمل على زيادة الدعم المقدم للمدنيين، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في شمال غرب سوريا وعدم قدرة آلاف المدنيين على تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
وبحسب برنامج الغذاء العالمي فإن سوريا تحتل المرتبة السادسة من حيث عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في العالم، حيث يقدر برنامج الأغذية العالمي أن 12.1 مليون سوري – أكثر من نصف السكان – في قبضة الجوع، بينما بلغ عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي 2.9 مليون شخص، أي بزيادة نسبتها 52% في عام واحد فقط.*
إلا أن الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات، مناف قومان، يرى في حديثه لموقع “نون بوست” أنه على الرغم من قساوة القرار على السوريين بسبب سوء الأوضاع المعيشية والفقر والبطالة وانتشار المخيمات، فإن هذا القرار قد يحمل في طياته من جانب آخر فائدة، تتمثل في فرض إنهاء مرحلة الاعتماد على المنح المالية والأمم المتحدة وضرورة التحول إلى فتح مشاريع مستدامة توفر الاستقرار للسكان على المقاييس كافة.
ما الحلول؟
أمام هذا الواقع طرح “نون بوست” أسئلة على عدد من الجمعيات العاملة في الشمال السوري، والمتعاونة مع برنامج الأغذية العالمي، عن إمكانية وجود حلول أو طرق بديلة تخفف من وطأة هذا القرار.
وفي هذا السياق أجمل مدير البرامج في منظمة “تكافل”، إياد الجعفر، الحلول البديلة بما يلي:
    التنسيق العالي مع كل المنظمات العاملة بنفس المجال ومع قطاع الأمن الغذائي لمحاولة تغطية الأماكن الأكثر احتياجًا.
    تغيير معايير وأدوات اختيار المستفيدين لاستهداف الناس الأكثر حاجة للدعم الغذائي.
    تضمين مشاريع سبل العيش في جميع برامج الاستجابة والأمن الغذائي.
    العمل على استهداف المستفيدين بأنشطة مدرة للدخل كمشاريع صغيرة، ومنح صغيرة بالإضافة إلى استهداف العوائل الأشد ضعفًا ضمن معايير محددة.
    تعزيز مشاريع التعافي المبكر وسبل العيش.
وفي حديثه لموقع “نون بوست” أكد الجعفر أنه بالإضافة إلى هذه الخطوات لا بد من توعية أفراد المجتمع بأن الدعم يتناقص عامًا بعد آخر، وبالتالي يجب التركيز على الأنشطة المدّرة للدخل.
وأضاف الجعفر أنه ينبغي أيضًا على المنظمات المناصرة، زيادة الضغط على المجتمع الدولي والداعمين الإقليميين والدوليين لتوسيع دائرة الدعم.
إمكانية تحقيق اكتفاء ذاتي
لطالما كان الوصول إلى الاكتفاء الذاتي هدفًا إستراتيجيًا لسلطات الشمال السوري – حكومتي المؤقتة والإنقاذ ـ رغم قلة الموارد والإمكانات، وإلى ذلك تؤكد العديد من المنظمات العاملة في تلك المناطق (الأيادي البيضاء، إحسان) أن هدفها الاهتمام بالمشاريع الإنتاجية التي تساعد على تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال مساعدة الفلاحين على زراعة واستصلاح أراضيهم الزراعية بعد أن دمرتها الحرب.
إلا أن مدير البرامج في منظمة “تكافل” يرى أن هذا الهدف يحتاج إلى وقت طويل ليصبح واقعًا، ويضيف الجعفر أن ذلك يمكن تحقيقه بالتدريج عبر التركيز على دعم مشاريع البنية التحتية وتنويع مصادر المياه الخاصة بالزراعة، ودعم المحاصيل والمنتجات الزراعية الأساسية كالقمح والخضار والزيتون، إضافة إلى استعادة الثروة الحيوانية ومشاريع التربية والتكثير.
من ناحيته يؤكد الباحث الاقتصادي مناف قومان أنه لا بد أن تطوي مناطق الشمال السوري مرحلة الإغاثة والتحوّل إلى مرحلة التنمية، وهذا يتطلب ـ بحسب قومان ـ التنسيق بين عدة جهات كالمجالس المحلية والمنظمات والحكومة، التي لا بد لها من الإسراع بهذا الاتجاه للحد من نسبة المجاعة وانعدام الأمن الغذائي.

JoomShaper