الجزيرة نت- خاص
قبل موعد آذان الفجر بساعات قليلة في العاشر من شهر رمضان الماضي، دهم الجيش اللبناني مبنى سكنيا يقطنه لاجئون سوريون في مدينة جونيه شمال بيروت.
كان الأمر معتادا، كما يقول اللاجئ السوري وأحد سكان المبنى أبو أحمد (لقب مستعار)، فكثيرا ما يدهم الجيش اللبناني أماكن تجمع اللاجئين السوريين بحثا عمن لا يملكون أوراقا قانونية تتيح لهم الإقامة بلبنان. لكن تلك المرة، لم يكتف الجيش بوضعهم في أحد السجون، بل تجاوز الأمر ذلك.
"وجدنا أنفسنا فجأة قرب الحدود السورية بعد أن تجاوزت بنا سيارة الجيش اللبناني حدود لبنان وألقتنا بين البلدين دون أن يخبرنا أحد أين نحن"، يتابع الرجل الثلاثيني أبو أحمد قائلا إن مجموعة من نحو 30 شخصا -اثنان منهم بين يبلغان 14 و16 عاما- يحملون جميعهم صفة اللجوء القانونية من مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة في لبنان، اضطروا للمشي حتى أول حاجز للجيش السوري الذي اعتقلهم جميعا لتبدأ رحلتهم في الأفرع الأمنية السورية، التي لم تصل نهايتها لبعضهم حتى الآن.
فمنذ أبريل/نيسان الماضي، تشن السلطات اللبنانية حملة أمنية واسعة ضد اللاجئين السوريين، هددت أمن وحياة بعضهم، وتعرضهم للانتهاكات والترحيل القسري.
وفي هذا الإطار، وثق مركز "وصول" لحقوق الإنسان 1080 حالة اعتقال تعسفي نفذتها السلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين العام الماضي، رحّلت منهم قسريا 763 شخصا إلى سوريا، حيث واجه معظمهم الاعتقال والتعذيب المميت والخطف والتجنيد الإلزامي والاتجار بالبشر.
وبذلك ارتفعت حالات الاعتقال التعسفي ضد اللاجئين السوريين الموثقة في لبنان عمّا كانت عليه عام 2020 بنسبة 4220%، إذ لم يشهد ذلك العام إلا حالتي ترحيل اثنتين فقط، وفق بيانات مركز وصول.
وفي تقرير مركز وصول -المنشور مطلع العام الجاري- أشارت شهادات من رحّلتهم السلطات اللبنانية إلى سوريا لاحتمالية وجود تنسيق بين الدولتين لتسلم اللاجئين المرحلين على الحدود اللبنانية السورية، بين الجيشين اللبناني والسوري، وبين الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري وعصابات التهريب التي كانت تعيد اللاجئين السوريين إلى لبنان مقابل مبلغ مالي بعد أن يخلي سبيلهم النظام السوري.
ويقول أبو أحمد إنه بعد شهرين قضاهما وهو يتعرض لشتى أنواع التعذيب متنقلا بين عدة أفرع أمنية في دمشق بعد أن تلقفته الفرقة الرابعة، كان عليه التواصل مع عصابات التهريب للعودة إلى لبنان، خوفا من أن يعتقله النظام السوري مرة أخرى إذا حاول الخروج قانونيا، ولأنه كان عليه أن يعود لعائلته التي يعيلها وحده.
نازح أو لاجئ؟
يستند الترحيل القسري الذي تمارسه السلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين إلى غطاء قانوني ابتدعته، يعتبرهم نازحين لا يحظون بالحماية وإمكانية البقاء الطويل في لبنان حتى ولو كانوا مسجلين بصفتهم لاجئين لدى المفوضية الأممية للاجئين في لبنان، وفق ما يشرح المحامي أمين بشير.
وذلك رغم أن الأمم المتحدة تعرّف النازح بأنه -على عكس اللاجئ- لم يعبر حدودا دولية بحثا عن الأمان، ولكنه بقي مهجرا داخل وطنه وفي حماية حكومة بلده، حتى وإن كانت تلك الحكومة سبب نزوحه.
أما اللاجئ -بحسب الأمم المتحدة- فهو كل شخص يوجد خارج بلد جنسيته، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب الخوف، أن يستظل بحماية بلده، لذلك على البلد الذي يلجأ إليه أن يحميه.
ويوضح بشير أن السلطات اللبنانية تتذرع بأنها ترحل اللاجئين باعتبار أنهم دخلوا لبنان بطريقة غير شرعية، مما ينزع عنهم صفة اللجوء، رغم أن بعض الذين رحّلتهم السلطات اللبنانية كانوا مسجلين أمميا على أنهم لاجئين يحظون بحق البقاء، وينبغي على المفوضية أن تحميهم من العودة القسرية لبلدهم غير الآمن.
من جهته، يؤكد أبو أحمد أنه كان يملك الأوراق التي تثبت تسجيله الرسمي بمفوضية اللاجئين بلبنان عندما رحّله الجيش اللبناني، ويضيف أن المفوضية لم تقدم له الحماية التي يحتاجها حين تواصل معها ليشرح ما حصل معه.
ولم ترد الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين في لبنان على طلب التعليق وإضافة معلومات بهذا الخصوص حتى لحظة نشر التقرير.
هل انتهى اللجوء؟
ومع حالة الجمود السياسي التي تمر بها القضية السورية دوليا منذ سنوات، فضلا عن استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية في مايو/أيار الماضي، وتطبيع بعض الدول العربية مع النظام السوري، اعتبرت الحكومة اللبنانية -من دون العودة إلى قرار أممي- أن حالة الحرب التي استدعت مغادرة السوريين لبلادهم قد انتهت، بحسب ما يوضح بشير.
وفي هذا الصدد، يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إن الحكومات لا يمكن لها تقييم وضع اللاجئين وتحديد متى يمكن أن يعودوا إلى بلدانهم التي فروا منها، وإن ذلك لا يمكن أن تقوم به إلا مؤسسات حقوقية أو أممية.
وكانت المفوضية الأممية لحقوق الإنسان حذرت في فبراير/شباط الماضي من تعرض العديد من السوريين الفارين من الحرب لانتهاكات حقوقهم لدى عودتهم لسوريا، مشددة على ضرورة أن تكون عودتهم طوعية وآمنة.
وأشارت المفوضية إلى أن معظم الانتهاكات التي تواجه العائدين إلى سوريا -وتشمل العنف الجنسي والخطف والاعتقال التعسفي لفترات طويلة- ترتكب من قبل سلطات النظام السوري.
ويشدد عبد الغني على أن وضع اللجوء للسوريين الهاربين من بلدهم لا يزال قائما، لاستمرار الأسباب التي دفعتهم بالمقام الأول للجوء، ويردف أن الجمود السياسي الدولي الذي تمر به القضية السورية لا يمكن أن يؤثر بأي شكل على قانونية حالة اللجوء.
كما يؤكد عبد الغني أن اعتبار سوريا آمنة وإعادة اللاجئين إليها نتيجة ذلك، يعد انتهاكا لحقوقهم، كما يجعلهم يعيشون في حالة من الخوف الدائم.
وتحدد الأمم المتحدة 22 عتبة حماية يجب تحقيقها لإعادة آمنة للاجئين لبلدانهم، منها تخفيض كبير ودائم للأعمال العدائية، وتقديم الحكومة لضمانات ألا يتعرض العائدون للمضايقات، وضمان السلامة المادية والقانونية والجسدية للعائدين.
وكان منتدى أصوات المهجرين السوريين ذكر في بحث أجراه عام 2022، أن أكثر من نصف عتبات الحماية التي حددتها الأمم المتحدة غير محققة في سوريا لعودة اللاجئين.
عراقيل أخرى
حين عاد أبو أحمد إلى لبنان، قرر تجديد إقامته اللبنانية بعد أن فشلت أوراق المفوضية الأممية للاجئين بحمايته، لكن سعيه لم يوفق.
يحتاج نظام الكفالة اللبناني إلى مئات الدولارات (ملايين الليرات اللبنانية) ما بين محام وكفيل لجعل وضع اللاجئين السوريين قانونيا،وفق ما يؤكد أبو أحمد، مضيفا أن عمله اليومي بالبناء لا يوفر له إلا بضع مئات الليرات اللبنانية (عشرات الدولارات) تكفي لدفع تكاليف معيشة أسرته فحسب.
ويؤكد المحامي بشير أن الحكومة اللبنانية تعتمد عرقلة وتأخير إخراج أوراق نظامية لإقامة السوريين -مثل وضعهم في نظام الكفالة أو إقامتهم كتجار ومستثمرين- رغم أنها باتت تعتبر أن السوريين المقيمين في لبنان يحتاجون هذه الأوراق بدلا من التسجيل في مفوضية اللاجئين.
ويضيف أن ذلك يأتي نتيجة عمل أطراف سياسية على تبرير أزمات لبنان الاقتصادية بوجود اللاجئين السوريين، مما أدى لتشكيل رأي عام رافض لوجودهم.
وبحسب التقديرات الحكومية، يعيش في لبنان 1.5 مليون لاجئ سوري، 90% منهم يعيشون في حالة من الفقر المدقع.
في حين يواجه لبنان أسوأ أزمة اجتماعية واقتصادية منذ عقود، ويستضيف أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة للفرد الواحد حول العالم، وفق المفوضية الأممية للاجئين.
العودة إلى أين؟
يؤكد أبو أحمد أنه يود لو يستطيع العودة لوطنه، لكنه يتساءل إلى أين يعود مع سوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي تشهدها مختلف المدن السورية.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث والمحلل السياسي سامي عقيل إنه قد يبدو أن الحرب في سوريا قد خفت شراستها مع انخفاض وتيرة القصف الذي يستهدف المدنيين، بيد أن ذلك لا يجعل سوريا المقسمة جغرافيا بين عدد من الإدارات آمنة، لاضطراب الوضع وغياب الظروف المعيشية اللائقة بمختلف المناطق.
ويشدد على أن انتهاكات السلطات اللبنانية بحق اللاجئين السوريين يجب أن ترفع للمحاكم الدولية لمحاسبتها وفق القانون الدولي، بعد متابعة الموضوع وتوثيقه محليا.
لكنه يؤكد أن الحل الفعلي لقضايا اللاجئين السوريين في جميع الدول هو تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي يطالب جميع الأطراف في سوريا بوقف هجماتها، وصولا إلى إجراء انتخابات حرة نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة تؤدي إلى التحول السياسي بالقيادة السورية.
لذلك، فإن العائق الأساسي أمام عودة اللاجئين السوريين هو عدم وجود حل سياسي للقضية السورية، وفق ما يقول عقيل.