يُحيّي السوريون داخل بلادهم وفي أماكن إقامتهم حول العالم، الذكرى الثالثة عشرة للثورة السورية، الثورة السلمية التي انطلقت عام 2011، وقابلها نظام الأسد بوحشية فاقت جرائم سفاحي التاريخ مجتمعين، فتحولت من أمثولة للثورات إلى أكبر مأساة عابرة للقارات، شاهدها الأبرز مسلسل الموت المستمر والخيام العائمة على بحر من الدماء والخذلان.
"الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، وثقت في تقريرها السنوي الصادر بمناسبة ذكرى الحراك الشعبي نحو الديمقراطية، مقتل 231278 مدنياً، بينهم 15334 بسبب التعذيب واعتقال 156757 شخصاً، وتشريد قرابة 14 مليون سوري، لافتة إلى أن الشعب السوري الذي خرج مطالباً بالانتقال السياسي الديمقراطي منذ 13 عاماً، تُرك وحيداً في مواجهة أعتى الأنظمة الديكتاتورية.
الشبكة أكدت أن النظام قصف منازل المدنيين بأكثر من 81916 برميلاً متفجراً، و222 هجوماً كيميائياً، ونحو 500 هجوم بالأسلحة العنقودية، و181 هجوماً بأسلحة حارقة، كما دمر النظام دفاعا عن كرسي الرئيس ما لا يقل عن 897 منشأة طبية، و1453 دارا للعبادة، و1675 مدرسة.
*مرارة اليتيم
"في الذكرى الثالثة عشر للثورة السورية، لا غرابة أن نشعر بمرارة اليتيم على موائد اللئام"، يقول الصحفي "محمد العويد"، موضحا أن سؤال المصير والمآلات، ما انفك حاضرا بين حضور المحيين لذكرى الثورة في باريس وواشنطن وبرلين وغيرهن من العواصم التي استقبلت السوري لاجئا من طرف، واكتفت بدور المتعاطي سلبيا مع تحولات الثورة، رغم محورية ودور وأساس هذه العواصم في توطيد حالة السلم العالمي، ومساعدة الشعوب لنيل حريتها وكرامتها وخلاصها من أنظمة قاتلة ومستبدة وعابرة خارج حدودها ومهددة للسلم الإقليمي".
وأضاف لـ"زمان الوصل": "في ذكراها الثالثة عشر، لن ينسى السوري، حتى وهو يتظاهر في شوارع عواصم الديمقراطيات أن الأخيرة تركته وحيدا بمواجهة قاتله، ربما أكثر حين يستذكر رسائل واتساب الأمريكي كيف أنهت الجبهة الجنوبية وشتت شملها وأطبقت الحصار عليها مع الروسي والإيراني".
ورغم حجم الخذلان يرى "العويد"، أن "المشهد الجمعي للناس، وإن كان في الحدود الدنيا من الفاعلية والتأثير، يعيد إمكانية التفاؤل، حتى وإن بعيدا، لكنه يؤسس لقاعدة الاستمرارية، وتصحيح ما أمكن من المسار الشاق، يفتح التظاهر، مجددا ثبات الحقوق حتى في أسوأ الأزمنة وأقساها؛ فمشهد التظاهرات الجمعي في العواصم، يثبت السوري حقه في المستقبل، وأن لا ولوج له، دون دفع فاتورته".
*عجز أممي ودولي
الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش"، اعتبر أن جيلا كاملا في سوريا قد دفع ثمنا باهظا، مؤكدا أن السوريين عانوا على مدى 13 عاما من الدمار والنزوح والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، وما زالت مطالبهم بالحقيقة والعدالة والمساءلة بعيدة المنال، موضحا في الوقت ذاته أن الجميع يتحمل مسؤولية إنهاء الإفلات من العقاب.
وقال إن عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في سوريا وصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 2011، إذ يحتاج 3 من كل 4 أشخاص للإغاثة، ويعاني أكثر من نصف السكان من الجوع، وتكافح مجتمعات بأسرها من أجل البقاء، يحدث ذلك في وقت انخفض فيه تمويل الجهود الإنسانية إلى أقل مستوياته على الإطلاق.
الأمين العام للأمم المتحدة، شدد على أن ما يقرب من نصف سكان فترة ما قبل الحرب في سوريا، ما زالوا نازحين داخل أو خارج سوريا، لافتا إلى أن الاحتجاز التعسفي، والسجن الجماعي، والاختفاء القسري، والقتل خارج نطاق القضاء، والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والتعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، كلها ما زالت مستمرة وتمثل عقبة أمام السلام الدائم في سوريا".
الصحفي "سامر المقداد"، قال: "ونحن نقف اليوم على ذكرى الثورة السورية، كأننا نقف على تلال من الهموم والمشكلات، فنصف الشعب السوري مهجرا في بقاع الأرض كلها والباقي في سجن كبير اسمه سوريا.. مئات آلاف القتلى ومثلهم مفقودين الذي قضى منهم لميسأل عنه أحد".
وأضاف لـ"زمان الوصل"، أننا اليوم "نتحدث عن نظام مجرم وجهات دولية وميليشيات عبثت بالجسد السوري وتركت به ندوبا لا تندمل بعشرات السنين.. كل منا يشعر بالمرارة لا يوجد بيت سوري إلا وعنده قصة مأساوية تتعلق بالأحداث التي جرت منذ عام 2012، فهذا لديه أب مفقود وهذا لديه ابن مقتول وهذا لديه ام ثكلى.. لو أردنا أن ننشر قصصنا لملأنا الكتب والروايات الحزينة".
ويرى أن "خيبات الأمل التي أصيب بها المجتمع السوري كانت مؤلمة جدا فقد صارت سوريا ساحة لتصفية حسابات الكثيرين من الأطراف الإقليمية والدولية من إيران الى حزب الله وأنصار الله إلى جبهة النصرة، والغرب بحقده التاريخي على العرب وأمريكا التي أدارت الصراع لمصالحها ومصالح إسرائيل، ولم تعبأ بالقتل الذي حصل والدماء التي سفكت وبالكيماوي الذي خنق حلمنا، والوطن الذي قتلته أحلام الطغاة".
*الحلم الباقي
الصحفي "عباس الديري" اعتبر أنه "رغم المسافات البعيدة بيننا وبين سوريا، مازلنا ننتظر ذاك اليوم الذي تتحر به، ونعود إلى وطننا، لنرى أهلنا وأحبتنا وقبور من فقدناهم".
وقال: "في ذكرى الثورة لم تتراجع عزيمتنا، وتلك المظاهرات التي عمت عواصم الدول الأوروبية في هذه الذكرى، تؤكد بأن النصر قادم، وعلم الثورة السورية مهما طال الزمن سيزين شوارع سوريا من جنوبها إلى شمالها ومن غربها إلى شرقها".
وبحسب "الديري"، فإن "العدالة قادمة إلى سوريا"، إذ تعمل المنظمات الحقوقية منذ سنين على توثيق الجرائم والتحرك أمام المحاكم الغربية، موضحا أن الطريق طويل لكن بالنهاية لا بد من الوصول إلى بر الأمان.
محمد الحمادي - زمان الوصل