نجوان أحمد
بينما تتلقى الأمهات حول العالم الهدايا والتهاني وكلمات التقدير من أبنائهن في "يوم الأم" في 21 من مارس/ آذار من كل عام، تقف أمهات غزة بصبر ليستقبلن جثامين أبنائهن الشهداء، وأطراف أطفال بترت تحت القصف، يسعين بكل ما يملكن من جهد لسد جوع أطفالهن بالقليل جدا من الطعام أو بوعود غير مؤكدة بأن الطعام ربما يأت بعد ساعات أو أيام.
لم تكن أسوأ الكوابيس تحمل مشاهد أكثر قسوة من تلك التي يعانيها سكان غزة، ولكنه أصبح واقعا تعيشه النساء في غزة كل يوم بل كل لحظة، إذ باتت اللحظة الواحدة تحمل الكثير من الأحداث الدامية.
أرقام وإحصائيات
لم يكن عاما سعيدا على الأمهات ولا حتى عاديا، إذ تشير تقديرات هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى مقتل امرأتين كل ساعة، ومع انهيار المنظومة الصحية هناك جراء القصف الإسرائيلي على القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وكشف تقرير للأمم المتحدة نشر في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، أن 70% من القتلى المدنيين في قطاع غزة كانوا من النساء أو الأطفال، وتم تهجير 951 ألفا و490 امرأة وفتاة من منازلهن، وأكثر من 3 آلاف امرأة أصبحن أرامل وأرباب أسر جدد بعد وفاة
أزواجهن، وأكثر من 10 آلاف طفل فقدوا آباءهم.
ووصفت منظمة اليونيسف غزة بأنها "أخطر مكان يمكن أن يعيش فيه الأطفال". كما أن سكان غزة يعيشون في خضم كارثة إنسانية ملحمية. ويواجه 4 من كل 5 من سكان غزة بالفعل الجوع والمجاعة، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، وهناك خطر المجاعة.
أزمة الفوط الصحية
منذ البداية الحرب على غزة، حذر ناشطات من التداعيات الصحية الخطيرة جراء أزمة خلو القطاع من الفوط الصحية النسائية، مما دفع الكثيرات إلى الاستعانة بوسائل بدائية بديلة مثل قطع القماش، التي تؤدي إلى مشاكل صحية بالرحم وفطريات في المثانة، بينما لجأت بعض النساء إلى حبوب منع الدورة الشهرية مما يعرض حياتهن لمخاطر صحية عدة.
إجهاض وولادة قيصرية من دون تخدير
تعيش النساء الحوامل في قطاع غزة حالة من الرعب، إلى جانب أهوال الحرب والفقد، فغالبيتهن مهددات بالولادة من دون تخدير أو تجهيزات أساسية لعملية الولادة، والرعاية الصحية قبل وبعد الوضع.
وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد الحوامل في قطاع غزة بنحو 52 ألف امرأة، قالت إنهن معرضات للخطر بسبب انهيار النظام الصحي وسط الحرب المستعرة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أكد الطبيب عبد الحكيم شحاتة، اختصاصي نسائية وتوليد، إنه منذ بداية العدوان على القطاع عدد كبير من النساء عشن حالات ولادة مبكرة وحالات إجهاض كثيرة بسبب الخوف والهلع جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة.
وهو ما أكده الدكتور ناصر فؤاد بلبل، رئيس أجنحة الخدج وحديثي الولادة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة: "لقد شهدنا ارتفاعا في حالات الولادة المبكرة مع قصف المنازل. لقد اضطررنا إلى إجراء عمليات ولادة مبكرة بينما كانت الأم تحتضر"، وفق صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين.
وأضاف الدكتور بلبل أن "العديد من هؤلاء الأطفال أصبحوا الآن أيتاما".
وقالت ياسمين أحمد لصندوق الأمم المتحدة للسكان، وهي قابلة في مستشفى الشفاء، أكبر منشأة طبية في غزة: "نحن نفتقر إلى ضروريات الحياة الأساسية ونعاني من نقص حاد في المياه".
وكانت "منظمة كير الدولية" في غزة رصدت خضوع النساء الحوامل لعمليات قيصرية طارئة دون تخدير بسبب نقص الوقود والأدوية اللازمة.
وهو ما أكده صندوق الأمم المتحدة للسكان، نقلا عن شهادات من موظفي مستشفى الشفاء في غزة، أن عمليات الولادة القيصرية الطارئة صارت تتم دون تخدير نتيجة نقص الإمدادات الطبية والوقود، الأمر الذي يؤدي غالبا إلى وفاة الأم في أعقاب الولادة.
الرضاعة وسوء التغذية
أصبحت الرضاعة الطبيعية مستحيلة على أمهات قطاع غزة، نظرا للنقص الشديد في الرعاية الصحية والفقر الغذائي الحاد.
وذكر تقرير لمنظمة اليونيسيف في فلسطين أن أطفال آلاف النساء اللواتي من المقرر أن يلدن في الشهر المقبل في قطاع غزة معرضون لخطر الموت.
وقال التقرير إن ما لا يقل عن 5500 امرأة حامل "لا تستطيع الحصول على فحوصات ما قبل الولادة أو ما بعد الولادة بسبب القصف وتضطر إلى الفرار بحثا عن الأمان". وأضاف التقرير نقلاً عن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن القلق يؤدي إلى الولادة المبكرة.
وقال التقرير أيضًا إن أكثر من 90% من الأطفال "الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرًا والنساء الحوامل والمرضعات يواجهون فقرًا غذائيًا حادًا مع إمكانية الوصول إلى مجموعتين غذائيتين أو أقل يوميا".
وقد أسفرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عن أكثر من 31 ألف شهيد وإصابة أكثر من 72 ألفا آخرين، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع، في حين أدى الحصار إلى تقليص الإمدادات الحيوية إلى تعريض حوالي 2.2 مليون شخص لمستويات عالية من المخاطر.