ضياء عودة - إسطنبول
تبرز سلسلة من الأسباب وراء التقدير الأخير الذي كشفت عنه الأمم المتحدة بشأن واقع تعليم الأطفال في شمال غرب سوريا، ومع إعلان أحد مسؤوليها عن وجود "مليون طفل خارج المدرسة" هناك يوضح معلمون ومختصون لموقع "الحرة" أن الواقع المفروض ينذر بـ"كارثة خطيرة".
بعد عشرين عاما وبشكل تقريبي سيكون الجيل المنتج في تلك المناطق "جاهل وأمّي" كما تشرح المعلمة، مياسة الشيخ، ويضيف، أحمد عرفات، مدير مكتب شبكة "حراس الطفولة" في شمال سوريا أن العديد من الأفراد حينها قد نراهم "مستهلكين"، مما يفرض أعباء على المجتمع ككل.
وفي إحاطة صحفية لنائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، ديفيد كاردن، الاثنين، قال إن تقديراتهم تذهب بوجود "مليون طفل خارج المدرسة في شمال غرب سوريا"، وأن لهذا الواقع "عواقب وخيمة".
"إذا كنتِ مراهقة وخارج المدرسة، فأنتِ معرضة بشكل أكبر لزواج الأطفال"، حسب كاردن، كما أن ذلك ووفقا لقوله "يخلق الخطر المتمثل في الإجبار على دخول سوق العمل".
وقبل شهرين من حديث المسؤول الأممي ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن حوالي 7.5 مليون طفل في البلاد يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، أكثر من أي وقت آخر من النزاع.
واعتبرت المنظمة أن الدورات المتكررة من العنف والنزوح والأزمة الاقتصادية المدمرة والحرمان الشديد وتفشي الأمراض والزلزال المدمر تركت مئات الآلاف من الأطفال عرضة لعواقب جسدية ونفسية اجتماعية طويلة المدى.
ووفقا لتقديراتها يوجد حوالي 2.4 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 سنة خارج المدرسة، من أصل 5.5 مليون طفل في سن الدراسة ككل وفي عموم البلاد، مشيرة إلى أن "جيلا من الأطفال في سوريا دفع بالفعل ثمنا لا يطاق لهذا النزاع".
لماذا "الكارثة مركبة" في شمال سوريا؟
وبالنظر إلى تقدير "المليون طفل خارج المدرسة" وقياسه مع عدد الأطفال في شمال غرب سوريا ككل ترتسم نسب صادمة لـ"الكارثة الحاصلة"، كما يقول من تحدث إليهم موقع "الحرة".
ووفقا لآخر الإحصائيات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، في فبراير 2024، فإن عدد الأطفال في شمال غرب سوريا يبلغ 2.31 مليون، منهم 1.21 مليون طفلة و1.10 مليون طفل.
وبمقارنة الأرقام الخاصة بالإحصائية مع تقديرات المسؤول الأممي كاردن يكاد يكون نصف الأطفال هناك بعيدون عن مقاعد المدرسة.
وتوضح المعلمة، مياسة الشيخ، وهي مدرسة سابقة في مديرية تربية اعزاز بريف حلب، أن الأسباب التي تدفع الأطفال للابتعاد عن المدرسة ورغم أنها تصب في اتجاه واحد، تختلف عند الغوص بتفاصيل الواقع المفروض.
وترى أن التقديرات المعلنة قد تكون أكبر من ذلك، وتقول لموقع "الحرة" إن نسب التسرب الأكبر موجودة في المخيمات، لعدة اعتبارات تتصدرها الأحوال المادية والمعيشية وشكل العملية التعليمية ككل.
ومنذ سنوات دفع شعور "التهميش" الذي يراود سكان المخيمات الكثير من العائلات إلى اتخاذ ردة فعل عكسية، سرعان ما انعكست على قرارهم المتعلق بتعليم الأطفال.
وجاء ذلك لأسباب بينها: غياب أي مقومات من كتب ومستلزمات دراسية وصفوف ومدرسة "بسقف وجدران".
إضافة إلى مشكلة أخرى ترتبط ببعد المخيمات عن مراكز المدن والبلدات، ما دفع الكثير من المعلمين للعزوف عن الذهاب إليها.
وفي كثير من الأحيان يبدأ العام الدراسي ويمر شهر وشهران، دون أن يصل أي مدرّس إلى النقاط التعليمية الموجودة في المخيمات، كما تقول الشيخ.
وتضيف أيضا أن تلك النقاط وهي ضمن "خيام" لا تجد مانح يتكفل بالمستلزمات الخاصة بإكمال العملية التعليمية، وأن كل ما سبق يدفع الكثير من الأهالي لعدم إرسال أبنائهم إلى المدرسة "بشكلها الجديد".
وفي حال أرادوا تسجيل أبنائهم في مدارس خاصة سيواجهون تحديات كبيرة على صعيد المواصلات اليومية والأجور الباهظة غير القادرين على تحصيلها لتأمين المعيشة اليومية، وفق المعلمة السورية.
"بين الذكور والإناث"
ينقسم الشمال السوري إلى منطقتين، الأولى محافظة إدلب وأجزاء من ريفي حلب واللاذقية والثانية محددة بعفرين ومدن وبلدات في ريف حلب الشمالي والشرقي وتسيطر عليها فصائل "الجيش الوطني السوري".
ولكل منطقة إدارة مختلفة عن الأخرى، وينسحب الاختلاف أيضا على شكل العسكرة، وكذلك العملية التعليمية، نظرا لوجود حكومتين في "المنطقة المحررة الواحدة" كما يطلق عليها المعارضون.
وبحسب نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، ديفيد كاردن، يوجد حوالي 3.5 مليون نازح سوري في شمال غرب سوريا، بينهم 800 ألف يعيشون في خيام وحوالي مليون شخص في ملاجئ غير رسمية.
ويضيف أن "هؤلاء الناس ما زالوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية وإلى مساعدات غذائية، وإلى الأساسيات لضمان قدرتهم على البقاء".
وعلى صعيد تسرب الأطفال من المدارس يشير، أحمد عرفات، مدير مكتب شبكة "حراس الطفولة" في شمال سوريا إلى وجود خطر حقيقي على هذه الفئة في مراحلها العمرية اللاحقة.
ويوضح لموقع "الحرة" أن الطفل غير الملتحق سيدفعه التسرب إلى تعبئة وقته بأشياء أخرى وفي غالبيتها مضرة، مثل التسول والتجول في الشوارع لفترات طويلة.
وقد يتجه آخرون إلى أنشطة غير مشروعة مثل التجارة بالتدخين، وقد يصل الأمر إلى الإدمان وبعض الانحرافات مثل الجرائم والسرقة وغيرها، حسب عرفات.
وتشرح المعلمة، مياسة الشيخ، أن التسرب يخلف آثارا كارثية، على صعيد تزويج الإناث بشكل مبكر وطلاقهن بشكل مبكر أيضا.
وتقول إن غالبية المنظمات الخاصة بـ"الدعم النفسي" لا تقدم أي شيء فعلي للطلاب والأطفال في المنطقة.
وتردف أن "أفرادها (للمنظمات) يأتون ويوزعون البسكويت على الأطفال ويشغلون لهم الأغاني ويذهبون فيما بعد"، دون أن يحدثوا أثرا إيجابيا على صعيد هؤلاء الأطفال الذين يعانون من الكثير من المشكلات النفسية، التي خلفتها الحرب.
"الكارثة مركبّة"
تؤكد المعلمة الشيخ أن أسباب التسرب "مركبّة" وتتعلق بالظروف التي تعيشها عائلة الطفل من جهة وبحالة المعلمين في شمال سوريا ككل والتحديات التي يواجهونها أيضا.
ويؤثر وجود الطفل في المخيم على الوصول والوجود والاستمرارية الخاصة بالعملية التعليمية.
في المقابل فقد المعلمون الكثير من القناعات الخاصة بهم، بسبب تراكمات تبدأ عند الأجر الشهري الذي يتلقونه والذي لا يزيد عن 70 دولارا ولا تنتهي عند حد التفكير بالعمل الآخر من أجل تحصيل لقمة العيش.
المعلمة الشيخ استقالت قبل أشهر وتبحث الآن عن عمل آخر، كما تضيف لـ"الحرة".
وتوضح أنها التقت بنحو 30 مدرسا ومدرسة مؤخرا، وغالبيتهم يبحثون عن عمل آخر غير التدريس.
كما اتجه آخرون لبيع المحروقات والانخراط بأعمال لا تناسب أو تليق بصورتهم، فيما أصبحت بعض المدرسات تبعن الإكسسوارات وتتنقلن بين المنازل، وفق الشيخ.
وتتابع أن مديريات التربية في المنطقة لا تقدم أية حوافز أو أي مكافآت، وهو ما انعكس على العلاقة التي يجب أن تكون بين المعلم والطالب في المدرسة، و"العطاء" الذي ينبغي أن يقدمه الأول.
"أمامنا جيل أمّي ومستهلك"
وتقول المديرة الإقليمية ليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أديل خضر، في تصريحات لها، في مارس 2024، إن العديد من أطفال سوريا، سيحتفلون بعيد ميلادهم الثالث عشر، ويصبحون مراهقين، "مع العلم أن طفولتهم بأكملها حتى الآن قد اتسمت بالصراع والنزوح والحرمان".
وأضافت أنه من المهم ضمان حصول الأطفال والأسر، ليس فقط على الخدمات الأساسية، وإنما تزويدهم بالمهارات اللازمة لبناء مستقبلهم، وأنهم بحاجة لحل سلمي طويل الأمد للأزمة.
ولا توجد معالم أي مستقبل إيجابي بالنسبة للأطفال، وما يزيد من قتامة المشهد ابتعاد مليون منهم عن مقاعد الدراسة.
"نحن مقبلون على كارثة. الجيل المنتج بعد عدة سنوات سيكون جاهلا"، على حد تعبير المعلمة الشيخ.
وتضيف: "بعد 20 عاما سنصبح كبارا في السن والأطفال الآن سيكونون المنتجين لكن دون أي تعليم أو وعي وفي ظ/ل معاناة من التهميش وقلة الاندماج في المجتمع".
كما سيتزوجون وينجبون، وسيكونون مسؤولين عن أسر، وتردف الشيخ متسائلة: "كيف سيكون الحال في ظل جهل الأب والأم بعد 20 عاما؟".
ويرى أحمد عرفات أن "وجود الأطفال خارج التعليم وعدم حصولهم على فرصة يعني أننا سنكون أمام جيل غير مؤهل على الإنتاج والعمل.
ويتابع: "لأنهم لم يتلقوا الإعداد المناسب خلال فترة الطفولة. وهؤلاء قد يتحولوا لأشخاص مستهلكين وعبئ على المجتمع".
====================
على خلفية اعتقال نساء وأطفال: أهالي كناكر في ريف دمشق يهددون النظام السوري بالتصعيد
هبة محمد
دمشق – «القدس العربي»: شهدت بلدة كناكر في ريف دمشق الغربي، توتراً أمنياً على خلفية اعتقال قوات النظام لسيدتين وطفلين من أبناء البلدة، من داخل أحد المراكز الطبية في منطقة برزة في العاصمة دمشق، في يوم سجلت فيه محافظة درعا 4 عمليات اغتيال قتل خلالها ضابط من مرتبات الفرقة الرابعة جنوب سوريا.
وقالت مصادر محلية إن قوات النظام اعتقلت السيدتين والطفلين لأسباب مجهولة دون معرفة مصيرهم، بينما تشهد البلدة حالة من الغليان، حيث أعلن الأهالي عن منحهم النظام مهلة لإخلاء سبيل المعتقلين، مهددين بالتصعيد والضغط، أسوة بدرعا والسويداء المجاورتين.
ويجُبر أهالي درعا والسويداء جنوب السوريا، النظام في كثير من الأحيان على الخضوع لمطالبهم بالإفراج عن المعتقلين الذين يجري إخفاؤهم تعسفياً، بعد اختطاف ضباط للمبادلة عليهم، أو بعد خلق حالة من التوتر المنطقة حيث يقطع الأهالي الطرقات ويهددون بالتصعيد في حال عدم الإفراج عن المعتقلين الذين يطالب الأهالي بهم.
وفي درعا المجاورة، أفرجت قوات النظام، الثلاثاء، عن شاب من أبناء مدينة نوى بعد ساعات من حصار الأهالي مقار عسكرية تابعة للنظام في المدينة وقطع الطرقات.
واعتقلت قوات الأمن العسكري عمران يوسف الشوا على حاجز منكت الحطب على أوتوستراد دمشق – درعا، صباح الثلاثاء، ما دفع المجموعات المحلية في مدينة نوى إلى الاستنفار.
وقال المتحدث باسم شبكة “تجمع أحرار حوران” أيمن أبو نقطة لـ “القدس العربي” إن مسلحين من أهالي المنطقة أطبقوا الحصار على فرعي الأمن العسكري والمخابرات الجوية في مدينة نوى غربي درعا، على خلفية اعتقال “الشوا”، كما قطع المسلحون الطرقات المؤدية إلى الفروع المحاصرة.
ودفع التوتر الحاصل في نوى، قوات النظام للإفراج السريع عن “الشوا”، تفادياً لتصاعد التوتر في المدينة.
وعمل الشوا سابقاً ضمن مجموعة “سامر أبو السل” الملقب بـ (أبو هاجر) التابعة لفرع الأمن العسكري، ثم ترك العمل في المجموعة.
وفي مدينة إنخل، أطبقت مجموعة محلية تتبع للأمن العسكري حصارها لمدة يومين على مركز أمن الدولة الأسبوع الفائت، مطالبين بالإفراج عن 4 معتقلين من أبناء المدينة جرى اعتقالهم على حاجز منكت الحطب، حيث استجابت قوات النظام لمطالب المجموعة المحلية وأفرجت عن الشبان الأربعة.
وسبق ذلك بيومين احتجاز ضابط وعنصر من مرتبات الفرقة التاسعة من قبل أهالي منطقة اللجاة، بهدف المبادلة على شاب من أبناء المنطقة اعتقل على حاجز لقوات النظام عند جسر بلدة تبنة شمالي درعا، في 24 مايو/ أيّار الفائت.
وأفاد مراسل تجمع أحرار حوران بحدوث مفاوضات بين أهالي اللجاة واللواء الثامن من جهة وضباط النظام من جهة أخرى، طالبوا خلالها الإفراج الفوري عن الشاب “أيهم السامي” مقابل الإفراج عن الضابط والعنصر، وهو ما حصل فعلاً.
وقتل ضابط يتبع لمكتب أمن الفرقة الرابعة بعملية اغتيال طالته شمالي المحافظة، حيث تتواصل عمليات الاستهداف والاغتيال في المحافظة، لتسجل 4 عمليات اغتيال في يوم واحد.
وقال المتحدث باسم شبكة “تجمع أحرار حوران” أيمن أبو نقطة، في اتصال مع “القدس العربي” إن المقدم في الفرقة الرابعة، عبد المجيد عبد الحميد حمود، قُتل الثلاثاء، نتيجة استهدافه بطلق ناري من قبل مجهولين بالقرب من بلدة جباب شمالي درعا.
وفي مدينة طفس، تعرض الشاب إبراهيم الحايك لاستهداف بطلق ناري أسفر عن مقتله على الفور، حيث “عمل الحايك كعنصر سابق في فصائل المعارضة، ثم انتسب إلى مجموعة مسلحة محلية”.
وفي محاولة اغتيال أخرى في مدينة طفس، أصيب الشاب المدني محمد الشنبور إثر استهدافه بطلق ناري من قبل مجهولين، بينما قُتلت ابتسام عبد الكريم القبلان نتيجة استهدافها بطلق ناري من قبل مجهولين بالقرب من منزلها في مدينة الصنمين شمالي درعا، دون معرفة الأسباب.
وتغرق محافظة درعا في حالة من الفلتان الأمني وسط انتشار العديد من المجموعات المدعومة من قبل أجهزة النظام الأمنية والتي تشرف على جزء كبير من تلك العمليات.
وخلال شهر مايو/أيار الفائت، أحصى مكتب توثيق الانتهاكات لدى شبكة “تجمع أحرار حوران” 29 عملية ومحاولة اغتيال، أسفرت عن مقتل 22 شخصاً، وإصابة 11 آخرين بجروح متفاوتة، ونجاة 7 أشخاص من محاولات الاغتيال.
في موازاة ذلك، قتل ضابط يتبع لمكتب أمن الفرقة الرابعة بعملية اغتيال طالته شمالي درعا، في وقتٍ تتواصل فيه عمليات الاستهداف والاغتيال في المحافظة، لتسجل 4 عمليات اغتيال يوم الثلاثاء.
وقال أبو نقطة، إن المقدم في ميليشيا الفرقة الرابعة، عبد المجيد عبد الحميد حمود، قُتل إثر استهدافه بطلق ناري من قبل مجهولين بالقرب من بلدة جباب شمالي درعا، صباح الثلاثاء. وينحدر حمود من قرية الشحطة التابعة لمنطقة عين الكروم في ريف حماة.