ولاء عوّاد
تلفزيون سوريا ـ ولاء عواد
"تمرّ أيام طويلة دون أن أرتاح ولو لساعة واحدة، منذ ولدت طفلتي وأنا أتحمل أعباءً كبيرة جداً، رغم أنني تجاوزت الثانية والثلاثين إلّا أنّ الأمومة جعلتني بحاجة والدتي وعائلتي أكثر من أي وقت مضى".
ليست مهمة سهلة أن تربي طفلاً أو طفلة في ظل الظروف التي يعيشها السوريّ داخل وخارج البلاد، فلكلّ تحدياته، وآلامه، ويتشارك السوريّ داخل سوريا وخارجها الأزمة الاقتصادية، وصعوبة تأمين جميع احتياجات الأطفال، وكذلك المستقبل المبهم، والأحداث السياسية المتسارعة التي تشكّل ضغطاً هائلاً على الأب والأم على حد سواء.
خارج سوريا، وفي أوروبا تحديداً، تطغى على أحاديث الأمهات صبغة الحزن عندما تتعمق قليلاً مع إحداهن بالسؤال عن حالها، فغالبيتهنّ يعانين من الوحدة، وتحمل كثير من المسؤوليات وحدهنّ، بغياب المجتمع الداعم والعائلة الكبيرة، وانشغال الزوج في معظم الأحوال بالعمل خارجاً.
تربية الطفل بعيدا عن الجدّ والجدة
يارا ثلاثينّية وأم لطفلة لم تتجاوز عاما ونصف، تقول لموقع تلفزيون سوريا: " تمرّ أيام طويلة دون أن أرتاح ولو لساعة واحدة، منذ ولدت طفلتي وأنا أتحمل أعباءً كبيرة جداً، رغم أنني تجاوزت الثانية والثلاثين إلّا أنّ الأمومة جعلتني بحاجة والدتي وعائلتي أكثر من أي وقت مضى".
وحول أبرز الصعوبات التي واجهت يارا منذ بدء رحلة أمومتها تقول: "أكبر مشاكل الحياة التربية بعيداً عن العائلة، أصاب بإرهاق نفسي وجسدي متكرر يومياً، ولفترة طويلة، دون استراحة على الإطلاق، حتى أصبحت أعاني من آلام جسدية ونفسية".
تشير كثير من الدراسات الحديثة إلى أهمية وجود الروابط العاطفية بين الجد والجدة والأحفاد، وحسب دراسة في جامعة واشنطن فإن الروابط القوية بين الجد والحفيدة تجعل كلامها أكثر سعادة، لكن هذه السعادة غائبة عند معظم العائلات السورية في أوروبا، فمع غياب العائلة الكبيرة يخسر الأطفال خزاناً من الذكريات الحميمة.
وحول علاقة الطفل بالعائلة الكبيرة تقول سماح أم لطفلين وتعيش في ألمانيا لموقع تلفزيون سوريا: "يخسر أطفالي كثيراً من الحب والعاطفة واللعب والغنج، ولا يستطيع أطفالنا تكوين ذكريات مع جدّهم وجدّتهم والخالات والعمّات، ولطالما كان بيت الجدّة هو مساحة آمنة لتجاوز خطوط التربية الصارمة، أطفالنا لن يتذكروا أنّهم أكلوا كثيراً من الحلوى من يد جدتّهم، ولن يعرفوا طعم المرجوحة (ساحة المنزل) والتي جهّزها لي جدي في بداية كل صيف حتى بلغت الثالثة عشرة".
ليس لغياب العائلة الكبيرة أثر سلبي على الأطفال، فالأثر الأكبر تعاني منه الأمهات، وتوضح غصون وهي أم لطفلين وتعيش في ألمانيا "يومياً لدي ساعة أو أكثر من البكاء لأنني وحيدة، وكوني منفصلة عن والد أطفالي، أواجه صعوبة مزدوجة، فأنا أقوم بكامل المسؤوليات، المدرسة، والتسوق، والطعام، وغيره، ورغم أن أطفالي يزورون والدهم كل عشرة أيام، إلا أنني لا أجد راحة حتى في هذه الفترة بسبب التزامات أخرى، أتمنى لو كانت والدتي أو أخواتي قريبات مني، دائماً ما أتخيل ساعة نوم وأمي مع أطفالي، فالطبع نثق بأمهاتنا على أطفالنا أكثر من أي أحد آخر".
شركاء في الأمومة
عادة ما تحتاج الأم إلى دعم حقيقي بعد الولادة وخلال رحلة التربية، إذ لا يمكن الاستهانة بما تمرّ به من ضغوط قد تؤدي في حالات شديدة إلى اضطرابات نفسية، وتراجع بالإنتاجية، وتراجع على المستوى الصحي والعاطفي والعقلي.
ولتجاوز أزمة الوحدة، والتربية بعيداً عن دعم العائلة الكبيرة، وجدت أسيل أم لأربعة أطفال وتعيش في فرنسا إيجابيات استغلّتها لتحسين جودة حياتها مع أطفالها الأربعة، وعن ذلك قالت لموقع تلفزيون سوريا "جميعنا بحاجة العائلة الكبيرة، ووجودها يعطي الطفل كثيرا من الحب والثقة، ودعم للأم حتى مع التفاصيل الصغيرة، ولكن اليوم أنا بعيدة عن أهلي، وبصراحة لا أشعر أنهم سيقدّمون شيئاً لأطفالي، فالاغتراب "غير النفوس" كما يقولون، لم تعد هذه الحميمية موجودة، أو الشعور بتحمل المسؤولية تجاه الأطفال والأم، لذا شريك أمومتي في الغربة هو زوجي، عندما احتاج استراحتي الخاصة، أو الذهاب إلى الطبيب أو أي شيء آخر، وبالطبع هذا أفضل حل متاح".
ما الحلول المتاحة؟
ترى ماريا عكيدي المتخصصة في شؤون المرأة والطفل، أن أحد أهم الحلول المتاحة هو محاولة إيجاد بيئة داعمة في البلد الجديد، من خلال تعلّم الأم للغة هذا البلد، أو إيجاد محيط سوري، وهو أمر غير المستحيل في ظل عدد اللاجئين السوريين الكبير والمنتشر في كثير من الدول حول العالم.
وتؤكد عكيدي لموقع تلفزيون سوريا على أهمية العائلة الممتدة، ومقدمي الرعاية البلدية، كالجدّة والخالة والعمّة، والقريبات، اللاتي يوفرن دعماً للأم، دون حاجتها للجوء إلى الدعم المأجور كالمربيّات ودور الحضانات وغيرها.
كما تعزّز العائلة الكبيرة حسب "عكيدي" إضافة إلى العاطفة والدعم، الهوية والانتماء والذكريات الإيجابية، الأمر الذي يغيب عن الأطفال السوريين المهاجرين في كثير من الأحيان.
وبالنسبة للحلول المطروحة تشدد "عكيدي" على أهمية التأقلم وعدم الدخول في صراع لجعل أطفالنا نسخاً عنا، بل تقبّل فكرة أن لهؤلاء الأطفال هوية مركبة، ولا تنفي بدورها صعوبة التربية في الغربة والضغط الكبير التي تعايشه الأم بشكل أساسي في تربية الأطفال، خاصة إن كان المجتمع غير متقبل للوافدين الجدد، أو يعاني عنصرية، وأزمة اقتصادية، وتدعو لاستغلال الأنشطة الاجتماعية، والتعليمية لإحاطة الأم والطفل بمحيط آمن وداعم قدر الإمكان.