ثائر المحمد

ازدادت معدلات التسرب المدرسي بشكل ملحوظ في شمال غربي سوريا خلال السنوات الماضية، حيث يواجه آلاف الأطفال والشباب صعوبة في مواصلة تعليمهم وسط الظروف الاقتصادية الصعبة، الأمر الذي يشكّل تهديداً لمستقبل الجيل الصاعد، فضلاً عن الآثار السلبية على التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.

 يُعتبر القصف المتكرر للمدارس من قبل قوات النظام السوري أحد أبرز أسباب هذه الظاهرة، حيث يتخوف العديد من الطلاب وأولياء أمورهم من الذهاب إلى المدارس، بالإضافة إلى ذلك، تعاني العديد من المنشآت التعليمية من تدمير جزئي أو كلي، ما يحول دون استقبال الطلاب.

كذلك أسهمت الأوضاع الاقتصادية السيئة في زيادة معدلات التسرب المدرسي، حيث تجد العديد من الأسر نفسها غير قادرة على تحمل تكاليف التعليم، ولذلك يلجأ الكثير من الأطفال إلى سوق العمل بدلاً من الدراسة بهدف دعم أسرهم، وهو ما يؤدي إلى انقطاعهم عن التعليم.

من الناحية الاجتماعية، يزيد التسرب المدرسي من تعرض الأطفال للاستغلال في سوق العمل أو حتى الانخراط في أنشطة غير قانونية، كما يؤدي إلى ارتفاع نسب الأمية والجهل بين الشباب، مما يعوق قدرة المجتمع على التطور والنمو، ويهدد بضياع جيل كامل كان من الممكن أن يسهم في إعادة بناء ما دمره النظام وداعموه.

التسرب المدرسي في شمالي سوريا

على مستوى مدينة اعزاز وريفها في شمالي حلب، أفاد مسؤول المكتب التعليمي بالمجلس المحلي في اعزاز يوسف حاجولة، لموقع تلفزيون سوريا، بأن عدد الطلاب المتوقع للعام الدراسي القادم يتراوح بين 30 إلى 35 ألف طالب، ويشمل ذلك المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.

منتصف عام 2023، كشف فريق "منسقو استجابة سوريا" عن وصول أعداد الأطفال المتسربين أو المحرومين من التعليم في سوريا إلى 2.5 مليون طفل.

وقال الفريق إنه سجل في شمال غربي سوريا أكثر من 318 ألف طفل متسربين من التعليم، وأكثر من 78 ألف طفل في مخيمات النازحين، مضيفاً أن 85% منهم يعملون في مهن مختلفة بينها مهن خطرة.

مدارس خارج الخدمة و340 ألف متسرّب.. تحديات هائلة تواجه التعليم شمال غربي سوريا

وعزا الفريق الأسباب إلى قلة أعداد المدارس في المنطقة مقابل الزيادة السكانية، والتحول التدريجي للتعليم الخاص، مما يجعل التعليم حلماً للأطفال، والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجه الأهالي في المنطقة، الأمر الذي يدفعهم إلى الزج بالأطفال في سوق العمل.

يضاف إلى ذلك، غياب أي نوع من التشريعات من السلطات المحلية لمنع دخول الأطفال في سوق العمل وغياب الحد الأدنى للعمر القانوني، واستمرار النزوح والتهجير للمدنيين في المنطقة، الأمر الذي زاد من مصاعب تأمين مستلزمات الأطفال.

وأشار البيان إلى أن نسبة التسرب الدراسي والتوجه إلى العمل تبلغ اثنين من كل خمسة أطفال، وسط توقع بارتفاع هذه النسب خلال الأعوام الثلاثة المقبلة بسبب المصاعب المستمرة التي يعاني منها المدنيون.

وأضاف أن "قطاع التعليم من أكثر القطاعات المهمشة من قبل المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، وغياب الدعم اللازم لهذا القطاع سبَّبَ تسرب الأطفال بشكل كبير والتوجه إلى سوق العمل".

وحذر "منسقو استجابة سوريا" في تقريره من الاستمرار في هذا المنحى، والذي سيتسبب بظهور جيل غير متعلم، يعاني من الأمية، ويكون مستهلكاً غير منتج في المجتمع، وبالتالي سيكون الأطفال غير المتعلمين عبئاً على المجتمع.

إحصائيات.. ما أسباب زيادة التسرب المدرسي؟

كشف نقيب فرع حلب في نقابة المعلمين السوريين الأحرار، محمد حميدي، عن إحصائيات مثيرة للقلق حول التسرب المدرسي في شمال غربي سوريا، حيث أشار إلى أن نحو 55% من الأطفال الذين في سن التعليم متسربون من الدراسة.

وبيّن حميدي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن التسرب الدراسي ينقسم إلى نوعين: الأطفال الذين سجلوا في المدارس ثم انقطعوا عن التعليم، والأطفال الذين لم يسجلوا في المدارس أساساً.

وقدّر حميدي أن هناك نحو مليون طفل متسرب عن التعليم في شمال غربي سوريا، وأرجع أسباب هذه الظاهرة إلى عدة عوامل أبرزها الحرب المستمرة التي يشنها النظام السوري على المنطقة، وما صاحبها من نزوح متكرر وتهجير قسري للأهالي.

وأضاف أن الفقر يلعب دوراً كبيراً، حيث تعجز الأسر عن تحمل تكاليف التعليم، مما يدفع الأطفال إلى العمل بدلاً من التوجه للمدارس.

كما أشار حميدي إلى أن عمالة الأطفال تسهم بشكل مباشر في زيادة معدلات التسرب، فضلاً عن قلة وعي بعض الأهالي بأهمية التعليم، هذا إلى جانب ضعف مستوى التعليم العام في المنطقة، مما يدفع الأسر الميسورة إلى تسجيل أطفالها في مدارس خاصة، بينما يضطر الآخرون إلى التوجه نحو سوق العمل.

ولم تقتصر أسباب التسرب على العوامل الاقتصادية والاجتماعية فقط، بل شملت أيضاً ضعف الإدارة المدرسية والعلاقة بين المعلمين والطلاب، بالإضافة إلى سوء التواصل بين الأهالي والمعلمين، مما يعزز الفجوة التعليمية ويؤدي إلى فقدان الثقة بين جميع الأطراف المعنية.

عوامل مختلفة.. مئات المدارس خارج الخدمة

في شهر كانون الثاني الماضي، ذكر "منسقو الاستجابة" أيضاً أن معظم الأطفال تسربوا من التعليم "نتيجة عوامل مختلفة، أبرزها عمالة الأطفال بسبب ارتفاع الكلفة المعيشية وعدم قدرة الأهالي على تأمين مستلزمات الطفل التعليمية، إضافة إلى حالات الزواج المبكر، وبُعد المنشآت التعليمية عن مناطق السكن، وغيرها من الأسباب".

 

وعن المدارس، قال الفريق إن هجمات النظام السوري وروسيا دمرت مئات المدارس وأخرجتها عن الخدمة، حيث بلغ عدد المدارس المدمرة التي خرجت عن الخدمة أكثر من 870 مدرسة، بينها 227 منشأة تعليمية في شمال غربي سوريا، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

كما تعاني أكثر من 80 مدرسة في شمال غربي سوريا من الاستخدام الخارج عن العملية التعليمية، وإشغال تلك المدارس في مهمات غير مخصصة لها.

وفي مخيمات النازحين شمالي سوريا التي تضم أكثر من مليوني نازح، أشار الفريق إلى أن أكثر من 67% من تلك المخيمات (991 مخيماً) لا تحتوي على نقاط تعليمية أو مدارس، ويضطر الأطفال إلى قطع مسافات طويلة ضمن العوامل الجوية المختلفة للحصول على التعليم.

وفيما يتعلق بالمعلمين، قال الفريق إن أكثر من 55 معلماً فقدوا حياتهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، نتيجة الهجمات العسكرية من قبل الجهات المختلفة، عدا هجرة مئات المعلمين، وتحوّل جزء آخر إلى أعمال أخرى، نتيجة انقطاع دعم العملية التعليمية.

وتعاني أكثر من 45% من المدارس من انقطاع الدعم عنها، في حين بلغت نسبة الاستجابة لقطاع التعليم 29% فقط، خلال العام الماضي 2023، وبحسب الفريق، فإن "التوجه إلى خصخصة التعليم (التحول إلى القطاع الخاص) بزيادة قدرها 24% عن العام الماضي، الأمر الذي زاد من نسبة التسرب وحرمان آلاف الطلاب من التعليم".

لا تقتصر آثار التسرب المدرسي على الجانب التعليمي فحسب، بل تمتد لتشمل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ومن ضمن هذه الآثار:

    ارتفاع معدلات الأمية والجهل بين الأطفال والشباب.

    تفاقم الفقر في المجتمع، فالأفراد الذين لا يكملون تعليمهم يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على فرص عمل لائقة تمكنهم من تحقيق دخل مستدام.

    تفاقم المشكلات الاجتماعية مثل التفكك الأسري، العنف، وزيادة معدلات الجريمة، إذ إنّ الأطفال الذين يتسربون من المدارس قد يصبحون أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات ضارة أو غير قانونية.

    التسرب المدرسي يؤثر بشكل كبير على التنمية الاقتصادية في المنطقة، فالمجتمع الذي يفتقر إلى نسبة كبيرة من الأفراد المتعلمين والمؤهلين لا يمكنه أن يتطور اقتصادياً بشكل مستدام.

    التسرب المدرسي يترك آثاراً نفسية عميقة على الأطفال والشباب، حيث إن ترك المدرسة في سن مبكرة غالباً ما يرتبط بالشعور بالفشل وانخفاض تقدير الذات، مما يؤدي إلى مشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب.

    الأطفال الذين يتسربون من المدارس يفقدون فرصاً كبيرة لتحسين حياتهم على المدى الطويل.

    الأفراد الذين يتسربون من المدارس غالباً ما يكون لديهم وعي محدود حول حقوقهم وواجباتهم كمواطنين، مما يقلل من مشاركتهم في الحياة المدنية والسياسية.

حلول وتوصيات

ذكر الأستاذ محمد حميدي أن أزمة التسرب من المدارس تعتبر مشكلة مجتمع كامل، يحتاج علاجها إلى ورش عمل واجتماعات تضم العناصر الفاعلة في المجتمع، فضلاً عن السلطات السياسية والتعليمية والنقابات وذوي الأهالي.

وأشار حميدي إلى العديد من العوامل التي تعيق التوصل إلى حلول، منها حالة التباعد بين السلطات التعليمية، وتحديداً بين الحكومة السورية المؤقتة ومديريات التربية التابعة للمجالس المحلية بإشراف تركي مباشر.

ومن ضمن الحلول المقترحة بهذا الخصوص:

    تحسين الأوضاع الأمنية وضمان سلامة المدارس.

    توفير الدعم الاقتصادي للأسر المحتاجة.

    إنشاء برامج تعليمية مرنة ومتعددة الخيارات.

    تحسين البنية التحتية للمدارس.

    دعم المعلمين وتحسين أوضاعهم المعيشية.

    تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال.

    زيادة الوعي بأهمية التعليم.

    تعزيز التعاون بين المنظمات المحلية والدولية لضمان دعم قطاع التعليم.

    إنشاء برامج تعليمية موجهة للمجتمعات النازحة، على اعتبار أن النزوح هو أحد الأسباب الرئيسية للتسرب المدرسي، لذلك يجب تصميم برامج تعليمية خاصة بالمجتمعات النازحة، توفر لهم فرصاً متكاملة للتعلم بغض النظر عن مكان إقامتهم.

JoomShaper