وفاء عبيدو
"أشعر أنني فقدت السيطرة على تربية أبنائي، إذ يستغل مروجو المخدرات أطفالنا من خلال هذه المواد"، هكذا تصف أم حالها بعد اكتشاف تعاطي ابنها، وهو طالب في ريف دمشق، لمادة لحشيش.
منذ قرابة سنة ونصف بدأت معاناة أميرة وهي سيدة متزوجة وأم لأربعة أطفال، مع أحد أطفالها البالغ من العمر 15 عاما، إذ لاحظت أنه يتعاطى مادة الحشيش.
وبحسب الأم أصبحت المادة في متناول الطفل بشكل مستمر، مما دفعها للبحث عن آلية حصوله عليها ليتضح أنه يشتري الحشيش من صديقه الذي يجلبها من أحد التجار في منطقة السيدة زينب، وهو لبناني الجنسية ويعمل تحت حماية عناصر حزب الله اللبناني ويدعى عباس أبو جعفر.
وقالت أميرة لموقع تلفزيون سوريا (طلبت عدم ذكر اسمها كاملا) "أرسلت ابني إلى منزل جده في محافظة أخرى لإبعاده عن المنطقة، خوفا عليه وعلى زوجي".
في حين أوضح والد الطفل أنه حاول التحدث مع المكنى بـ "أبي جعفر" طالبا منه عدم بيع ابنه لإبعاد طفله عن هذا الطريق، إلا أن التاجر هدده بالقتل في حال فكر في التحدث بالأمر.
يعمل والد الطفل في تصليح السيارات ولا يملك راتبا ثابتا، ويتراوح معاشه أسبوعيا بين 350 إلى 450 ألف ليرة سورية، ما يجعل تعاطي الطفل لمواد من هذا النوع عبئا صحيا وماديا.
وفي دراسة صادرة عام 2021، باتت سوريا مركزا عالميا لإنتاج “الكبتاغون” المخدر، وأنها أصبحت أكثر تصنيعا وتطورا تقنيا في تصنيع المخدرات من أي وقت مضى، بحسب مركز “COAR”
تنتشر تجارة وتعاطي الحشيش المخدر في بعض مناطق سيطرة النظام، منها أحياء في ريف دمشق ما جعلها تصل إلى المدارس وفي متناول التلاميذ.
إبراهيم (12 عاما) يعيش في منطقة الذيابية، طلب والده عدم ذكر الاسم لأسباب أمنية واجتماعية، ذكر أن أحد أصدقائه الطلاب يبيع سجائر الحشيش وهو ضمن مجموعة من الأصدقاء ويتم أخذها بعد انتهاء الدوام المدرسي أو قبله، ويشتريها لهم من منطقة السيدة زينب ويصل سعر الواحدة منها إلى 45 ألف ليرة سورية (أي نحو 3 دولارات أميركية بحسب سعر الليرة السورية).
وأضاف الطفل أن صديقه أخبره في حال جلب أشخاصا أو أصدقاء من قبله لشراء الحشيش أو الحبوب سيكون له نسبة أو سيحصل على الحشيش مقابل ذلك.
وقال إبراهيم لموقع تلفزيون سوريا "بعد عدة مرات من شرب سجائر الحشيش أعطاني صديقي حبة تسمى كلك طاقة وأخبرني أنها ستقدم لي شعورا جميلا، وبعد دقائق تعرضت لحالة عصبية تطلبت إسعافي".
أوضح والد الطفل أنه منع ابنه من الذهاب إلى المدرسة إلى حين نقله لمدرسة أفضل من حيث متابعة الطلاب، وأضاف أنه حاول التواصل مع إدارة المدرسة التي لم يكن لها أي دور في توعية الأطفال وأنه لم يجد من قبلهم أي مبادرات مرجية، وقال "الإهمال من قبل الجهات المسؤولة والحكومية شيء معتاد ولكن ما يحصل تخطى المتوقع".
سبق أن رصد مركز جسور للدراسات، وجود 50 موقعاً في سوريا لإنتاج المواد المخدرة، بعضها لـ"حزب الله" اللبناني والبعض الآخر لـ"الفرقة الرابعة" من جيش النظام، في ريف دمشق.
تتواصل إعلانات وزارة داخلية
النظام حول من تقول إنهم متورطون بقضايا الاتجار بالمخدرات وكان أحدثها بهذا الصدد الإعلان عن إلقاء القبض على تاجر مخدرات بمنطقة السيدة زينب وضبط الأمن الجنائي بمنزله 3 كيلوغرامات من الحشيش إضافة إلى أكياس بضمنها قطع حشيش وما يقرب من 1600 حبة كبتاغون.
الحشيش بوابة للإدمان
الدكتور مازن شيخاني - مركز برق للسياسات والدراسات، ميز بين الاعتياد والإدمان، وأن الأشخاص تحت سن الـ 18 عاما يندرجون تحت مسمى الأطفال ولا ترتبط تصرفاتهم بوعي كافٍ، أي لا يمكن منح الطفل حرية الاختيار في مثل هذه الموضوعات الحساسة.
كما ذكر أن الطفل في هذا السن يبحث عن شعور إرضاء الذات وأن الضغوط المعيشية والظروف المحيطة ربما اجتماعية أو نفسية تدفع الطفل لمثل هذه التصرفات، كما أن مراكز علاج الإدمان تحوي الكثير من هذا النموذج الذي بدأ بتعاطي هذه المادة وثم اتجه إلى غيرها.
وحول مضار هذه المادة قال شيخاني لموقع تلفزيون سوريا على اعتبار أن التدخين مضر فالحشيش أيضا ضمن هذا الإطار، حتى وإن سعت بعض الدراسات إلى إظهار محاسن هذه المادة.
وقال شيخاني "للأسرة دور كبير في التأثير على هذه السلوكيات ولتخليص الطفل من هذه الآفات، من خلال احتضانه والصرامة بعيدا عن القسوة، كما أن للمدرسة والأصدقاء دور في توعية الطفل والمجتمع المحيط".
وبحسب تقرير المخدرات العالمي
لعام 2023، يعتبر الحشيش "القنب" أكثر شيوعا وله حصة كبيرة من الأضرار المرتبطة بالمخدرات على مستوى العالم، وتقدر نسبة تعاطيه 41% في عام 2019، وتزايدت في عام 2021 لتصبح نحو 46% على مستوى العالم.
كما أن الاضطرابات من تعاطي المخدرات تتصل باضطرابات التعاطي "القنب".
ووضعت العديد من الدول أحكاما من أجل الاستعمال الطبي "للقنب"، ولكن النهج التنظيمية المتبعة بخصوصه تختلف بشكل كبير من بلد لآخر، وفقًا لما ذكره التقرير.
ماذا يقول الطب النفسي عن تعاطي المخدرات؟
الطبيب محمود بحيص لعلاج الإدمان والأمراض النفسية، قال لموقع تلفزيون سوريا إن البعض يعتبر الحشيش مادة طبيعية لكنه لا يعي ماذا بعدها.
كما أضاف يبدأ الشخص بالتجربة وهي أول مرحلة للإدمان ثم ينتقل إلى الاستخدام غير المنتظم وهنا يزيد من استخدام المادة للوصول لذلك الشعور بشكل دوري، وبحسب الطبيب فإن للشخص في هاتين المرحلتين فرصة في العودة عن هذا السلوك في حال كان ذا إرادة.
وتابع الطبيب، بعد الاستمرار يدخل المرحلة الثالثة وهي الاستخدام اليومي، ثم ينتقل للأخيرة وهي الإدمان حيث يصبح غير قادر عن التخلي عن تلك المادة بل يسعى للحصول على شعور مختلف عبر مواد أخرى قد تكون الكحول أو مواد مخدرة أوالمورفينات وهي ذات مخاطر عديدة، منها التسبب في جلطات دماغية فورية.
ويرى أن الشخص ما بين مرحلة الاستخدام المنتظم ومرحلة الإدمان يعد مرضاً نفسياً، إذ يلغي عقله الإرادة لديه وهنا يتوجب العلاج.
كما أشار إلى أن علاج الإدمان المنزلي قد يكون متاحا بنسبة 6% أما النسبة الأكبر 94% تكون للعلاج في المركز المختص الذي يعد أفضل من عدة عوامل ويسهل سير العلاج، وقال "نحن هنا نتحدث عن الإدمان لشخص يملك بنية جسدية قد تساعده، أما الطفل سيكون معرضا لمخاطر مضاعفة مما يجعل تداول هذه المواد بين أيديهم انتهاكا".
سبق أن كشف مدير مستشفى "ابن رشد" للأمراض النفسية في دمشق غاندي فرح، أن حالات الإدمان بمختلف أشكاله تتزايد بين معظم الفئات العمرية وعلى مستوى الجنسين لافتاً الانتباه إلى تزايد العدد بين فئة المراهقين.
كما أشار إلى الضغط الذي يتعرض له المستشفى من حيث أعداد المراجعين في ظل وجود طبيبين نفسيين فقط، وفق ما نقلته صحيفة "البعث" التابعة للنظام في، 1 من حزيران 2022.