أحمد جاسم الحسين
سوريا تي في
الاحد 15/12/2024
يشكل العمل التطوعي في عدد كبير من دول العالم أحد القطاعات الهامة التي تسهم في تغطية مجالات عدة، ليس بصفته بديلاً عن العمل المأجور، بل بصفته لوناً من ألوان النشاط الفردي الذي يخدم المجتمع. ويدخل العمل التطوعي في السيرة الذاتية للمتقدمين للعمل في دول الرعاية الاجتماعية كإشارة إلى الرغبة بخدمة الآخرين وكذلك إلى الجانب الإنساني لدى المتقدم لوظيفة ما ويؤخذ بعين النظر إبان التقييم.
العمل التطوعي نوع من أنواع العمل المدني المجتمعي الذي ينم على حالة وعي كبيرة وشعور بالمسؤولية تجاه الذات والمجتمع، ويمكن تحويل الجهود الرائجة في مجتمع ما من جهود مشتتة إلى جهود منظمة واعية.
لا يدير العمل التطوعي قطاعات الإنتاج الرئيسية بل يدير قطاعات مكملة، لكنها ضرورية، ويقوم به أشخاص ليس لديهم عمل إبّان قيامهم به، أو تقاعدوا، أو شباب متحمسون لخدمة مجتمعهم في أوقات فراغهم، وكذلك عدد كبير من العاملين في أوقات فراغهم كنوع من المتعة والمشاركة الاجتماعية.
نظراً لضرورة أن يكون العمل التطوعي منظماً فإنه لا بد أن يكون هناك فريق مدرب ومختص يدير العمل التطوعي
وقد شهدنا ألواناً عدة من العمل التطوعي في مجتمعاتنا بخاصة في الأرياف، إبَّان مواسم قطاف القطن أو دراسة القمح أو كدادة السواقي المائية أو الأعراس والولائم أو الأفراح والتعازي أو الولادة، إضافة إلى ألوان أخرى متمثلة في مساعدة المحتاج أو دفع سيارة في الطريق أو جرها أو إغاثة الملهوف عامة. وكذلك في الجمعيات الخيرية وتوزيع مساعدات على الناس، غير أن منع العمل المدني كان أحد الأسباب الرئيسية التي جعلته مشلولاً ومقتصراً على مبادرات واستجابة بسيطة فطرية تحمل كثيراً من الطيبة والنبل.
ما يتسم به العمل التطوعي في البلدان الأوربية ويمكن الإفادة منه في المشهد السوري اليوم هو التنظيم بحيث يتحول من عمل يقوم على الاستجابة الانفعالية أو السريعة أو اللحظية أو الموسمية إلى عمل منظم واضح الأهداف والخطوات، ويتمثل ذلك أولاً بإيجاد جهة ما تتولى التنظيم والتنسيق والترتيب، ويقتصر دور تلك الجهة على التنسيق بين الراغبين بالعمل التطوعي والراغبين بالاستفادة منه جهات وأفراداً.
الخطوة الأولى تتمثل بإيجاد هيئة تطوعية مهمتها مراسلة الجهات التي تحتاج إلى مساعدة تطوعية، أو تقديم اقتراحات لجهات يعتقد فريق العمل أنها بحاجة إلى مزيد من الاهتمام من مثل الاعتناء بالحدائق أو نظافة الشوارع أو المظهر الجمالي للمدينة والاهتمام بحيواناتها الشاردة، وكذلك تنظيف أقنيتها المائية أو توعية الناس بسلوك ما يؤثر على قطاع معين. إضافة إلى جهود أخرى لها علاقة بمساعدة المحتاجين في قطاع ما (مرضى، أو كبار سن، أو أطفال).
والخطوة الثانية مراسلة الجهات التي يتبين أن قصوراً ما في عملها قد حدث نتيجة لقلة العاملين لديها، أو لأن طبيعة عملها تقتضي جهوداً جماعية لأن أي مؤسسة لا يمكنها أن تقوم به، دون وجود مساعدة اجتماعية من مثل نظافة المدينة.
والخطوة الثالثة تتمثل في وجود بنك معلومات للراغبين بالتطوع وتحديد الأوقات الملائمة لهم والمجالات التي يمكن أن يتطوعوا بها ومهاراتهم المؤهلة لهم.
ونظراً لضرورة أن يكون العمل التطوعي منظماً فإنه لا بد أن يكون هناك فريق مدرب ومختص يدير العمل التطوعي، والانتقال به من فكرة "التخجيل" إلى فكرة "الرغبة الحقيقة والحماس للقيام به"، ومن حسن الحظ أن عدداً كبيراً من الشباب السوريين قد عملوا في هذا المجال في أوربا وصارت لديهم أدوات العمل ومنهجياته وكيفية نجاحه في تحقيق أهدافه.
في الأيام الماضية، وقد شعر عدد كبير من السوريين أنهم استعادوا بلدهم، تواصل عدد كبير منهم ببعضهم قائلين: نريد أن نقدم شيئاً لبلدنا، لكن كيف؟ وها هنا بدأ السؤال كيف؟ ومع من نتواصل؟ وما هو الأسلوب الأمثل؟
هذا يستدعي تشكيل هيئة عليا للعمل التطوعي، يمكنها أن تنظم تلك الجهود وتنسقها وتشرف عليها وتكون صلة وصل بين الراغبين والقطاعات المحتاجة.
سوريا الجديدة بحاجة إلى جهود كل أبنائها، خاصة أن البلد أصابه كثير من التدمير والخراب خلال خمسة عشر عاماً إضافة إلى الخراب الديكتاتوري الممتد نصف قرن وأكثر، بحيث من الضرورة أولاً استعادة الإنسان السوري ورغبته بالحياة والتميز وتقديم الدعم للمحتاجين.
لعل من أبرز تشويهات العمل التطوعي في سوريا هي المنظمات الشعبية التي كان يساق إليها الناس، وقد أخرجت عن دورها لتغدو مهمتها التشبيح على السوريين والإساءة لهم أو التسبيح بحمد الديكتاتور القاتل.
وحين أدركت زوجة الديكتاتور السابق أن العمل التطوعي أو التعاون مع المنظمات الدولية يجلب كثيراً من النقود عملت على السيطرة عليه وإقامة مشاريع لا تعبر عن حاجة البلد وأسست مؤسسة خاصة بها تتبع للقصر الجمهوري كي تستولي على أموال التعاون الدولي، واليوم الجهود الإغاثية الدولية بحاجة إلى تنظيم قد تتولى جوانب منه تلك الهيئة التطوعية خاصة ما يتعلق بالصليب الأحمر الدولي أو أطباء بلا حدود في القطاع الصحي مثلاً.
من أبرز تشويهات العمل التطوعي في سوريا هي المنظمات الشعبية التي كان يساق إليها الناس، وقد أخرجت عن دورها لتغدو مهمتها التشبيح على السوريين والإساءة لهم أو التسبيح بحمد الديكتاتور القاتل.
قد يقول قائل: إن أبرز مثال على نجاح العمل التطوعي في سوريا هو منظمة الخوذ البيضاء وهي مثال متميز على أهمية العمل الأهلي، وهذا توصيف دقيق، لكن واقع سوريا الجديدة يفترض بالخوذ البيضاء أن تتحول إلى منظمة تابعة للحكومة لأن الجهود المنتظرة منها وما تقدمه بحاجة إلى أن يصبح جزءاً من الدولة، لكن بالتأكيد خبراتها في هذا المجال هي الأساس الذي يبنى عليه.
العمل التطوعي هو انتقال من: همتكم يا شباب، ومنصورين بعون الله إلى منصورين بعون الله عبر التخطيط والتنظيم وتتابع الجهود والتحول من النوايا الحسنة وهي مهمة جداً إلى العمل المخطط المنظم.
انتشر السوريون في السنوات الأخيرة في مختلف دول العالم، وبنوا خبرات مذهلة وخاضوا تجارب مختلفة، وهم اليوم يحدوهم الأمل أن يشاركوا في بناء بلدهم مسلحين بالإرادة الشديدة غير أن ذلك يحتاج إلى تنظيم سريع لتلك الجهود وفتح الباب لها مؤسساتياً عبر أجهزة سوريا الجديدة، فمن سيبدأ بالخطوة الأولى ويحاول تنظيم الجهود التطوعية تلك؟ هذا ما ستكشفه الأسابيع القليلة القادمة.
العمل التطوعي في جانب منه "علمني أن أصطاد بدل أن تعطيني سمكة"، أما تمويله فيمكن أن يكون من منظمات دولية، وكذلك قد يكون من المشاركة الاجتماعية للقطاع الصناعي ورجال الأعمال بحيث بدلاً من أن يقوم بتلك المهمة بنفسه يقدم ما يريده إلى مؤسسة مختصة تقوم بالمهمة بدلاً منه، وكذلك في جانب منه يقوم على تنمية فكرة التطوع والمساعدة لدى الأفراد والمؤسسات، خاصة أن لدينا بذوراً مادية منه يمكن توظيفها متمثلة بالزكاة والصدقة، وفي الوقت نفسه هناك قيم عربية عدة تتمثله أو تعبر عنه من مثل: مساعدة المحتاج والإيثار والمشاركة الاجتماعية ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه!
من الطرائف أن عدداً من النسوة السوريات المقيمات في هولندا، اكتشفن أنَّ من يدربهن على قيادة الدراجة الهوائية (البسكليت) ذات يوم قائد الشرطة في أمستردام، وهو يقوم بذلك في يوم عطلته لتحقيق شيء من الراحة النفسية والخروج من العمل الوظيفي وضغوطاته، وهذا مألوف في مجتمع تعد قيمة العمل ومساعدة الآخرين فيه هي إحدى أعلى القيم.