هبة محمد

دمشق ـ «القدس العربي»: تشهد العاصمة السورية دمشق ظاهرة متفاقمة تتجلى بانتشار أعداد كبيرة من الأطفال الذين يعملون في بيع العلكة والمناديل والورود، وأشياء بسيطة أخرى في الشوارع والحدائق العامة وأمام المطاعم التي توفر أماكن جلوس خارجية.

هذه الظاهرة التي كانت تبدو في السابق محدودة، أصبحت مشهدا يوميا مألوفا، يثير التساؤلات عن واقع الطفولة ومستقبل هؤلاء الأطفال في مدينة ترزح تحت أعباء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

في جولة ميدانية أجرتها «القدس العربي» في عدد من أحياء دمشق، التقت بعدد من هؤلاء الأطفال الذين سردوا قصصهم المفعمة بالفقر والمعاناة، والتي تكشف عن واقع مرير، تتقاطع فيه الأزمات الاقتصادية مع غياب الرقابة الاجتماعية والرسمية.

محمد، طفل يبلغ من العمر 12 عاما، يروي قصته قائلا: «أتينا من حلب إلى دمشق منذ خمس سنوات، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعمل في بيع المناديل وأحيانا أبيع البسكويت. لدي شقيقان، أحدهما رضيع والآخر يبلغ 14 عاما يعمل معي أيضا في بيع المناديل. أما والدي، فهو يجمع أكياس النايلون ويبيعها. نحن نعمل جميعا لتأمين إيجار المنزل وتلبية احتياجات أسرتنا الأساسية».

وتظهر حالة محمد نموذجا عن آلاف الأطفال الذين أجبرتهم ظروف النزوح والفقر على الدخول المبكر في سوق العمل، محرومين من حقوقهم الأساسية في التعليم واللعب والحياة الكريمة.

فيما تقول هديل، وهي طفلة في الحادية عشرة من عمرها، وتنحدر من حي الميدان الدمشقي، لـ «القدس العربي» إنها تعمل في بيع المناديل المعطرة خلال فصل الصيف بعد انتهاء الدوام المدرسي، وذلك لمساعدة والدها في دفع أجرة المنزل الذي تستأجره العائلة في منطقة المليحة في ريف دمشق.

    شكوك حول وجود شبكات منظّمة تستغلهم

وتضيف: «والدي يعمل في مهنة البويا ـ تنظيف الأحذية ـ وأحاول مساعدته قليلا من خلال عملي اليومي في الشوارع».

المشهد لا يقتصر على الظروف الاقتصادية وحدها، فثمة مؤشرات يلمح إليها بعض السكان المحليين، تتحدث عن وجود شبكات منظمة تستغل هؤلاء الأطفال وتدير أعمالهم خلف الكواليس.

العديد من المواطنين في دمشق أعربوا لـ «القدس العربي» عن شكوكهم حيال الطريقة التي يتحرك بها الأطفال، خصوصا بعد أن لاحظوا لقاءات ليلية منتظمة لهؤلاء الصغار مع رجال كبار في السن، يجمعونهم في أماكن محددة ويقدمون لهم الطعام بشكل جماعي، ما يثير تساؤلات حول من يقف خلف هذه العمليات، وما إذا كانت ترتبط بحلقات من تشغيل الأطفال واستغلالهم. ويخشى البعض من أن تتحول هذه الظاهرة إلى نمط دائم في الحياة السورية، في ظل غياب الرقابة الحكومية والمبادرات المجتمعية الكافية لمكافحتها، مما يضع علامات استفهام حول مصير جيل كامل ينشأ في بيئة يغيب عنها الأمان الاجتماعي والرعاية التربوية.

ديما الجوخدار وهي مدّرسة في ثانوية حي دمر في دمشق، وصفت لـ «القدس العربي» الملف بأنه «شائك ومتعدد الأبعاد، ويستلزم معالجة جذرية تبدأ من الاعتراف بحجم الأزمة، مرورا بوضع خطط حكومية وإنسانية واقعية، تتضمن تقديم دعم حقيقي للأسر الفقيرة وتوفير فرص تعليم وحماية لهؤلاء الأطفال»، وإلا، حسب الجوخدار، فإن هؤلاء الصغار الذين يسيرون اليوم في شوارع دمشق بحقائب المناديل، قد يتحولون غدا إلى ضحايا دائمين لواقع لا يرحم.

JoomShaper