محمد الملحم
إن المتابع لمجريات الثورة السورية وتطوراتها منذ انطلاقتها وحتى بزوغ بشائر النصر التي لاحت في الآونة الأخيرة، لَيَلمِسُ بشكلٍ لا مرية فيه آثار ربانية هذه الثورة، وكيف أن الجهد البشري لم يكن إلا سِتارًا لقدرة الله النافذة…
في هذه العجالة أتلمس بعض تلكمُ المعالم على سبيل التمثيل لا الحصر:
إن الله تعالى قد تكفل بنصرة هذه الثورة ورعايتها؛ فقدر سبحانه أن تقوم دونما مقدماتٍ أو تدبيرٍ بشريين، ومضت الثورة لا تلوي على أحدٍ إلا الله، وقد أدرك الناس ذلك السر فأطلقوا شعارهم «ما لنا غيرك يا الله…»

ثم مضت الثورة على الرغم من قلة الناصر؛ بل إن الشرق والغرب لم يألوا جهدًا في محاربتها؛ وتجلّى ذلك في صراع المصالح وتقاسم الأدوار بين الدول الكبرى، الصين وروسيا ومعهم إيران جهاتٌ داعمةٌ لنظام الأسد من خلال استخدام (الفيتو) لوقف أي قرارٍ ضد النظام السوري من جهة، والمعسكرُ الغربي الذي لا يعبأ بما يحيق بالشعب السوري من تقتيلٍ وجرائم يقوم بها النظام وأجهزته الأمنية وعصاباته، طالما أنه ليس ثمة ما يؤثر على مصالحه مباشرة، فكان يمنح نظام بشار الأسد المهلة تلو المهلة ليتمكن من إيقاف الثورة. كما تنكّر أبناء العمومة (حكومات وشعوباً) للثورة… كل ذلك والثورة –بفضل الله- يشتد عودها وتتجذر معانيها في النفوس ويتعاظم أداؤها في الميدان… بخلاف ما يريدون (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].

كذلك من تلك التجليات توجه الناس المطلق إلى الله تعالى. فبعد أن تكسرت –لحكمة إلهيةٍ بالغة- آمالُ كثيرٍ من الناس التي انعقدت على الهيئات والمنظمات الدولية، أو على تدخلٍ من حلف الناتو أو قرارٍ بموجب الفصل السابع، ترسّخ عند الناس يقينٌ مطلقٌ أن لا مفرَ لهم مما نزل بهم إلا إلى الله، وتحكي ذلك تسميات بعض أيام الجمع (الله معنا 5/8/2012م) و (لن نركع إلا لله 12/8/2012م) و (إن تنصروا الله ينصركم 6/1/2012م). لقد تجلّت آثار هذا التحول في إقدام الشباب على الموت واستهانتهم به، فواجهوا الرصاصَ بصدورهم العارية في سبيل إنقاذ جريحٍ، وليسقط الشهيد تلو الشهيد.

ومن ذلك أيضًا، استعادة المسجد لريادته وليلعب دورًا فعالًا ومؤثرًا في حياة الناس؛ ففيه اللقاء، ومنه الانطلاق، وإليه المأوى. لقد قادت مساجدنا الثورة بامتياز… ورُفِعَت شعاراتٌ تعبّر عن مدى التحول في توجهات الناس «هي لله هي لله… لا للسلطة ولا للجاه».

أيضًا كان لظهور المرأة السورية المسلمة بزيها الإسلامي (المميز) –وهي التي لم يكد يشارك غيرها إلا يسيرًا- دورٌ كبيرٌ في تأكيد معاني الانتماء والهوية الإسلامية للشعب السوري.

ومن تلك المعالم الربانية تأييد الله تعالى ونصرتُه للثوار في كل مفاصل الثورة، فرغم قلة العدد والعتاد والفرق الشاسع بين إمكانيات الثوار المتواضعة من جهةٍ وإمكانيات النظام من جهةٍ أخرى كان الثوار يحققون النكاية بالنظام ويكبدونه الخسائر في الأرواح والعدة، ولم يستطع النظام أن يحقق نصرًا حاسمًا على الثوار على أي صعيدٍ.

إن الثورة السورية ثورةٌ ربانيةٌ بحقٍ. وكأن الله تعالى اختار الشعب السوري المسلم ليكون ستارًا لقدرته، فاستحال الثوار قدرَ الله الغالب،  بهم زلزل عرشَ طاغيةٍ من أعتى طغاة الأرض.

جريدة عنب بلدي – العدد 26 – الأحد – 29-7-2012

JoomShaper