لم تأت شرارة الثورة السورية مُفجّرة لغضب متراكم من النظام الحاكم وسيلٍ من الإبداعات يختزنها المجتمع السوري في رصيده الثقافي والفكري فحسب، بل أسفرت أيضاً عن جيلٍ من الشباب لديه الرغبة في المساهمة في المجتمع والإنخراط بالعمل التطوعي والجماعي ..
أجمعت الدراسات في علمي الاجتماع والإدارة على أهمية العمل الجماعي في رفع كفاءة العمل والإنتاجية وأكدت بأنه أهم أعمدة النهضة في المجتمع. فحسب ستيفن آر كوفي، معادلة العمل الجماعي في الإنتاجية هي أن 1+1 قد تساوي 8 أو 16 وقد تصل إلى 1600 أو أكثر إذا كان الفريق قائمًا على الثقة الكبيرة.
ولكن الرغبة لا تكفي، ففي العمل الجماعي لا بد من تهيئةٍ فكرية وتربوية تراكمية لدى الأفراد. وللأسف تعمد المؤسسات التربوية في الدول ذات الأنظمة الشمولية – كما في سوريا- إلى تغييب هذا الفكر عن مناهجها. وبسبب حرمان الشريحة الأوسع من المجتمع من مثل هذه الثقافة والإعداد اللازم، يصاب البعض عند دخولهم مجال العمل الجماعي بالإحباط مما يدفعهم إلى ترك العمل الجماعي والإنتقال إلى العمل الفردي الأقل إنتاجية والمحدود التأثير. يمكن إيراد أهم النقاط في العمل الجماعي كالتالي:

• التأكيد الدائم على أخلاقيات العمل الجماعي من إخلاص النية والأمانة، وتقدير الإختلافات الفكرية والثقافية بين الأفراد، فتلك الإختلافات هي لصالح الفريق غالبًا تثريه بأفكار أكثر تنوعاً وإبداعاً، وعدم استغلال ثمرات عمل الفريق من قبل أي عضو لشهرةٍ فردية أو بروزٍ إعلامي، ورفضُ فرض أي توجه فكري أو سياسي على الفريق أو المستفيدين من خدماته سواءً من قبل الداعمين للفريق أو من قبل الفريق نفسه. لذلك يُفضَّل تدوين مبادئ وأخلاقيات الفريق في نص مكتوب لتذكير أعضاء الفريق به بشكل دائم، ولإطلاع الأعضاء الجدد عليه.

• وضع هيكلية ونظام داخلي مرن وواضح، يحدد مسؤولية وإختصاص كل شخص ضمن الفريق وإجراءات العمل الروتينية. وتحسبًا لحالات الغياب (كالإعتقال) يفضل وجود بديل عن كل فرد يكون قادرًا على أن يسد مكانه. كما يجب أن يتم اختيار قائد الفريق حسب الكفاءة أو بالإنتخاب، مع التأكيد على أن القيادة مسؤولية وليست سلطة.

• تحديد هدف واضح قابل للتحقيق بناءً على الإمكانيات المتاحة لدى الفريق يشارك في صياغته جميع الأعضاء، وتقسيمه لأهداف مرحلية تصاغ – قدر الإمكان – بأسلوب كمي للمقارنة الموضوعية مع النتائج الفعلية (عدد السلال الغذائية التي سيتم توزيعها خلال أسبوع مثلًا)

• التخطيط ووضع الخطوات اللازم تطبيقها لتحقيق الأهداف (كل ساعة تخطيط توفر أربع ساعات تنفيذ).

• المراجعة المستمرة للعمل عبر مقارنة التنفيذ الفعلي مع الأهداف المرحلية لفترة معينة وتحليل نتائج هذه المقارنة لتحديد نقاط الضعف والعمل على تلافيها ونقاط القوة والعمل على تعزيزها، والبحث دائماً عن حلول جديدة وأفكار مبتكرة لحل المشاكل وخلق الفرص.

• السعي الدائم لتنمية الفريق بتنمية مهارات أعضائه، على أن يقوم بذلك أفراد من الفريق نفسه من أصحاب الخبرة، أو الإطلاع على مواد التنمية البشرية أو الوعظ الديني. ومن الممكن الطلب من أصحاب الإختصاص من خارج الفريق المستعدين لتقديم الدعم في هذا المجال. كما يجب تطوير وتنمية الفريق أيضًا بإستقطاب أعضاء جدد ذوي كفاءة، والعمل المستمر على دفع وتحفيز الأعضاء «الخاملين» للعمل، وخلق بيئة محفزة عن طريق الإشادة بإنجازات الأعضاء المميزين والناشطين في الفريق وأيجاد نوع من المكافآت الرمزية لهؤلاء الأعضاء.

• ضرورة الإجتماعات الدورية لكافة أعضاء الفريق لإشاعة الألفة والتفاهم بينهم، ولعرض تقارير عن الأعمال المنفذة خلال الفترة السابقة، وعرض الآراء والأفكار التي لدى الأعضاء ومناقشتها، ويجب التأكيد على ضرورة الإستماع لمقترحات كافة الأعضاء وعدم إحتكار الرأي بأعضاء محددين تحت أي إعتبار.

• التأكيد على دور المرأة التي أثبتت كفاءتها في العمل الجماعي وخصوصاً في أنشطة الثورة في سوريا، ففاقت الشباب فاعلية وإنتاجية أحياناً، ما عدا دورها الأساسي في المجالات التي لا يستطيع الشباب المشاركة فيها.

الثورة السورية لم تقم لإسقاط النظام فقط، بل لبناء الوطن وبَدْء نهضة سورية شاملة، والعمل الجماعي كما أشرنا من أهم عوامل النهضة. واليوم وجب علينا توحيد الجهود والتكاتف ليرقى عملنا إلى خدمة الحاجات التي فرضتها الأحداث الحالية، وهي فرصتنا اليوم لإعداد أنفسنا وتدريبها لمبادئ العمل الجماعي التي ستلزمنا لبناء سوريا غداً.

المصدر:جريدة عنب بلدي – العدد 27 – الأحد – 5-8-2012

JoomShaper