لها أون لاين
لا تعرفونها؟ هي أم رامي.
كل سكان الحفة يعرفونها ويحترمونها، ولا يكسرون لها قولا
هي امرأة فلاحة مثل كل نساء سوريا الماجدات
وقفت يوما أمام رئيس البلدية، وكان قد أمر بإزالة جدار بنته أمام بيتها ليحجب البيت عن الشارع، ذريعته في الهدم أنها لم تطلب رخصة، وضعت كفيها على وسطها وصرخت في وجهه: ماذا يضيرك هذا الجدار؟ لن أسمح لك بهدمه، سأحطم رأسك بهذه العصا لو حاولت، وتناولت بيدها عصا غليظة، أم أنك تريد أن تقبض الرشوة التي تعودت عليها مع كل رخصة؟ لن أدفع لك قرشا واحدا، إذا كنت تشعر بأنك رجل فتعال، جرب أن تهدم منه حجراً، سأدفنك تحت ركامه.
تجمهر الناس حولهما، فطأطأ الرجل رأسه ثم انسحب ذليلا صامتا ولم يعقب.
*****                                        
مرة أخرى، وبعد سنوات قليلة، حضر رئيس البلدية، مشى في دربه متحاشيا النظر إلى حيث تجلس أم رامي مع بعض العجائز، يتدفأن بضياء الشمس ويزغردن للشبان في مظاهرتهم، توقف أمام المتظاهرين الرافعين شعارات الحرية، ينبههم إلى خطورة ما يفعلون، يطلب منهم العودة إلى بيوتهم، والكف عن اللعب مع الكبار، والذي لن يجلب لهم سوى الملاحقة والاعتقال.

غادرت أم رامي مجلس النساء ووقفت أمامه، واضعة كفيها ـ كعادتها ـ على وسطها، وقفت له بالمرصاد، أتظن أن القرية لن تحاسبك على هذه الأموال التي جنيتها حراما من دمائهم؟ أم تظن أنا نسينا تاريخك؟ مثلما كان أبوك وجدك عميلين للفرنسي المحتل، أنت عميل لمن استعملوك، لو رأيتك هنا مرة أخرى سأعرف حسابي معك.

*****
كانت تقف أمام التنور، تلقمه رغيفا وتسحب آخر، تعد الخبز للشباب المقاتلين، بعدما قطعت دوائر الأمن  الخبز والماء والكهرباء والغاز عن القرى الثائرة على الظلم والطغيان، جاءها اثنان من أصدقاء ابنها رامي، كانا يمشيان بسرعة، وتوقفا على بعد خطوات منها، مطرقين صامتين ينظران إلى الأرض!

- تعال يا أحمد.. خذ حصة رفاقك من الخبز
- ما من أجل الخبز جئناك اليوم
- ماذا إذن؟
- رامي أصيب، وتم نقله إلى تركيا  بحالة إسعاف، المشفى الميداني هنا لا يكفي لعلاجه.
صمتت، راحت تفرك أصابعها مما علق بها من العجين، ثم رفعت رأسها تنظر إليهما.
- حسبي الله ونعم الوكيل، يا بني إذا أصيب رامي فهل يقلع رفاقه عن الأكل، خذ هذا الخبز، والحق برفاقك، رامي أمانة عندي، أسلمه لله.

أخذ الشابان الخبز أمام أعين النساء المحيطات بأم رامي وصمتهن، كل القرية كانت تخشى غضبة أم رامي إذا هي غضبت، لكنها اليوم لم تغضب، بل تابعت عملها وكأن رامي ذاهب إلى  مكان يرضيها.
*****
- خالة أم رامي جئنا لنودعك
-  إلى أين؟
-   إلى الجبل، سنواصل جهادنا من هناك، الرحمة على روح الشهيد رامي.
-  لن تذهبوا إلا برفقتي، كل السكان هناك نزحوا من ديارهم، فمن سيجهز لكم طعامكم ويخبز خبزكم؟ لا تقولوا أن لا ولد لي بينكم، كلكم أولادي.

-         ما تزال رسمية طه حتى الآن هناك في الجبل، تخبز الخبز وتطهو الطعام للمجاهدين، رسمية امرأة أمية، لم تذهب الى مدرسة ولا سمعت بقصة الخنساء، لكنها واحدة من خنساوات كثيرات، في كل المدن والقرى السورية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم: كاتبة سورية حرة

JoomShaper