الكاتب : د. حسان الحموي
إن من عظمة الثورة السورية وهول أحداثها وتأثيرها على العالمين العربي والإسلامي ما يبهر الأبصار، ويقف المؤمن حيران لا يدري ما يقول يبحث في تاريخه عله يجد ما يشفي غليله، ويسكن حريرة قلبه، ويقوي إيمانه بربه أولا وبوعده له بالنصر تاليا، وبالتسليم لقضائه وحكمته ثالثا.
لهذا وجب علينا التفكر والتدبر و الأخذ بالعبر واستجلاب اليقين من أحاديث نبوية وأقوال مأثورة عن أشخاص ثقات، نتعلم منهم ونستلهم من عبراتهم حكم الغد، فقد ورد في ذلك الكثير وأقتبس لكم بعض ما تعلمته من هذه الثورة: فقد حَدَّثَنَاعُبَيْد ُبْنُ يَعِيشَ، وَإِسْحَاق ُبْن ُإِبْرَاهِيمَ، وَاللَّفْظُ لِعُبَيْدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَم َبْنِ سُلَيْمَانَ مَوْلَى خَالِد ِبْن ِخَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَن ْسُهَيْل ِبْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَال َرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتْ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ،وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ"، شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ.‏ (حديث مرفوع)، صحيح مسلم 5161, سنن أبي داود 2643, مسند أحمد بن حنبل 7384
أيضا ورد عن ابن كثير( 700 – 772هـ ):  في كتاب البداية والنهاية: في أحداث سنة717هـ:  أن النصيرية هجموا على مدينة جبلة، وقتلوا خلقا من أهلها، وخربوا المساجد واتخذوها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه:  قل: لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي. وصاح أهلها: وا إسلاماه، وجعلوا يتضرعون إلى الله، حتى جردت إليهم العساكر، فهزموهم، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وجمعا غفيرا، وقتل المهدي الذي أضلهم في ذلك الزمان [البداية والنهاية]
أيضا ورد عن عبد الرحمن الكواكبي ( 1849 – 1902م): "فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم بل يشمل الدمار الأرض والناس والديار لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار وتحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال، وكأنما يستحق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم وقبولهم القهر والذل والاستعباد، وعدم تأملهم في معنى الآية التالية: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (25) سورة الأنفال {عبد الرحمن الكواكبي – من كتاب: «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»}
"الشيخ إبراهيم اليعقوبي ( 1925 – 1986م) وهو أحد أكابر الأولياء في زمانه يحذرنا من الانخداع بهذا النظام، ويقول: سيأتي يوم ينصب فيه هؤلاء النصيرية المدافع على جبل قاسيون لدك الشام. وها قد رأينا هذا يحدث" ( الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي).
الغاية من إيراد هذه الأحاديث والنبوءات هي لمقابلة ما يشاع عن نبوءات كاذبة تصدر هنا وهناك، ومن ثم ليزداد علمنا بحقيقة أمرنا لاتخاذ الأسباب الموجبة لإزالة هذا الظلم وتغيير الواقع الذي نعيشه،  ولنعلم أن هؤلاء لا يسقطون بمجرد الاستسلام للنبوءات الكاذبة، بل لابد من حق يقابل باطل ويقارعه حتى يسقط بإذن الله تعالى، قال تعالى:{بَل ْنَقْذِفُ بِالْحَقّ ِعَلَى الْبَاطِل ِفَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]
وعَنْ عَبْد ِالله ِبْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: ” وَإِذا رَأَيْتُمْ أُمَّتِي لَا تَقُولُ لِلظَّالِم أَنْت َظَالِمٌ، فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ” شعب الإيمان (10/ 47)(7140 ) صحيح
قَالَ أَحْمَدُ(البيهقيُّ): "وَالْمَعْنَى فِي هَذَا: أَنَّهُمْ إِذا خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِم ْمِنْ هَذَا الْقَوْل ِفَتَرَكُوهُ كَانُوا مِمَّا هُوَ أَشَدّ ُمِنْهُ، وَأَعْظَمُ مِن الْقَوْلِ، وَالْعَمَلِ أَخْوَفَ، وَكَانُوا إِلَى أَن ْيَدَعُوا جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَمْوَالِهِم ْأَقْرَبَ، وَإِذَا صَارُوا كَذَلِكَ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ، وَاسْتَوَى وُجُودُهُمْ وَعَدَمُهُمْ "
هذه هي السنة المقررة، فالحق أصيل في طبيعة الكون، عميق في تكوين الوجود. والباطل منفي عن خلقة هذا الكون أصلا، طارئ لا أصالة فيه، ولا سلطان له، يطارده الله، ويقذف عليه بالحق فيدمغه.
ولا بد من قانون التدافع كذلك بين الحق والباطل وبين الخير والشر، قال تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم ْبِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذو فضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251]
ونحن موقنون بزوال هذا الطاغية الصنم وكل طاغية في الأرض، قال تعالى:{ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} العنكبوت
وقال تعالى:{ فَاصْبِرْ إِنّ َوَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60]
لكن لا بد أن يقترن العلم بالإيمان ويجليهما الصبر لأنه وسيلة المؤمنين في الطريق الطويل الشائك الذي قد يبدو أحيانا بلانهاية! والثقة بوعد الله الحق، والثبات بلا قلق ولا زعزعة و لا حيرة و لا شكوك.. الصبر والثقة والثبات على الرغم من اضطراب الآخرين، ومن تكذيبهم للحق وشكهم في وعد الله. ذلك أنهم محجوبون عن العلم محرومون من أسباب اليقين.
فأما المؤمنون الواصلون الممسكون بحبل الله فطريقهم هو طريق الصبر والثقة واليقين. مهما يَطُل هذا الطريق، ومهما تحتجب نهايته وراء الضباب والغيوم! في ظلال القرآن للسيد قطب (9أكتوبر 1906م - 29 أغسطس 1966م) - ط1– ت- (ص: 3531).

JoomShaper