كتابة : الحســـن يوســف.
صرخة بعيدة ، أيقظتها.
فتحت عينيها الغارقتين في هالتَي سواد ، و خطّا اشتياق يحفران خدّيها حتى ثغرها البنفسجي..
وضعت الوسادة الرطبة دمعاً جانباً ليهطل وابل من أشعة الشمس قد اخترق الحائط من ثقوب الرصاص على جسدها النحيل …. فيردي البرد فيها قتيلاً و ظلمة الرطوبة حولها نوراً شاحباً
إنها “سلمى” .. نهضت بخطا راجفة إلى الجدار المثقّب و أطلت بعينها عبر أكبر ثقب فيه ، قد علمت انهم ذهبوا ، بعصيهم و سكاكينهم .. إليها رحلوا ، فالصّرخة كانت بعيدة .. صرخة “ربيعة” كانت بعيدة .
أمسكت بصورة عشيقتها ، عقدت حاجبيها و نظرت إليها بحزم حزين لتسافر عبر عينيها إلى حيث تودّعتا ، كان الثغر على الثغر و تخبّط الأنفاس أغاب الوعي عن نبض قلبيهما … لم تستطع “سلمى” رؤية دمعة عشيقتها ” الحفّة” وراء جفنها … سحبوها نحو الشمس ، بعصيهم و سكاكينهم .. فرّقوهما.
و بعد ثلاثة أشهر من تقييد “سلمى” في عزلة لا ترى فيها سوى ذكرى الفراق ، وضعت الصورة جانباً وسط رصاصات فارغة على أرض الغرفة و فتحت الباب لجسدها يمشي إلى حيث كان الوداع …. كانت ضحكة عالية في صدرها تصارع غصّة ألم … هل ستراها أم لا !
ركضت و عروقها تتورد بالأحمر راسمةً هتافات الحياة على جدران جسدها و الشعر طويل حتى الثديين تمتطيه ضحكات أطفال يرضعون كرامة الأنثى .. والحبّ فيها .
وصلت “سلمى” إلى حافّة الوادي لترى ظهر “الحفّة” تجلس عاريةً وحيدة … وقد حجبوا هتافات جسدها الحمراء بكدمات سوداء ، بعصيهم وسكاكينهم .. قصصوا شعرها بعيداً عن ثدييها و حفروا للأطفال بركاً يسبحون فيها صيفاً.
ماتت كلتا الضحكة والغصّة في صدر “سلمى” .. وضعت يدها على رحم “الحفّة” الدامي و أسندت خدّها على كتفها … همست “الحفّة” : علمتُ أن طيفك سيزورني يوماً ما ، بعصيهم و سكاكينهم .. علمتُ أنهم سيقتلونك … بحبّك .
ثم عادت إلى وحدتها تتأمل بحر اللّاذقية تبرق أمواجه كالدّمع في عينيها وسط صرخات “ربيعة” … وسط صرخات العشّاق .. المكتومة.
صرخةُ لقـــاء | سلمى و الحفة
- التفاصيل