نايف ذوابه
فيما تشتعل الثّورة في سوريا ووقودها شعب وجيش وثوّار وتدمير لوطن ولمقوّمات الحياة والقوّة فيه- يحذّر الكثير من المراقبين من السّيناريو الأسوأ بعد سقوط النّظام.. وأنّ ما بعد بشار أسوأ من بشار.. والذّاكرة مشحونة بالحالة العراقيّة والحالة الأفغانيّة، وما قبلهما وبعدهما لبنان الذي أصبح شؤمًا يستشهد به السّياسيّون والمحلّلون، ويصفون كلّ صراع طائفيّ أو إثني باللّبننة، حتى غدا مثلاً في التّوافق على الانتحار السّياسيّ حين يستعرّ  الخلاف بين الطّوائف، ويحتدم الصّراع، ويركب كلٌّ منها رأسه، ويصرّ على عدم التّنازل، ويجعل نفسه في خدمة الشّيطان ومشاريعه حتى يتسيّد ويظفر بنصيب الأسد من المغانم، ويفرض أكبر قدر من الشّروط ..
نعق غراب البين فوق سوريا، وأقسم ألاّ يغادرها إلاّ خرابًا يبابًا، وألاّ يدع طفلاَ بريئًا ولا شيخًا فانيًا ولا امرأة لا حول لها ولا قوّة حتى يحرقهم جميعًا في أتون الصراع لتترك الحرب ثارات لا تندمل وصيحات ثأر لا تختفي ولا تتلاشى.. والنّظام سائر بمقولة عبد الرحمن شلقم وزير الخارجيّة اللّيبي ومندوب ليبيا السابق في الأمم المتّحدة التي سارت مثلاً: يا أحكمكم يا أقتلكم ..!! النّظام السّوريّ الغاشم غدا شؤمًا على المنطقة شعوبًا ودولاً، وهو يستخدم كلّ ما يمتلك من قوّة بأسوأ صورة وأسلوب وغاية، يريد أن يقول لهم جميعًا: أنا ومن ورائي الطّوفان!! وسلوكه مع شعبه ليس سلوك مؤمّل بإمكانيّة عودة المياه إلى مجاريها يومًا ما، ولا عودة الشّمل للالتئام ثانية، بل إنّ تصرّفاته تصرّفات يائس يريد أن يأخذ المنطقة معه إلى جهنم التّقسيم و التّدمير .. فأيّ شعور ينتاب المرء وهو يرى دبّابات الجيش السّوريّ تقصف الشّعب الآمن بقسوة ليس دونها قسوة، وكأنّها تقصف مواقع العدو في الجولان؟!، وأيّ حزن يلفّ النّفس وهو يرى دبابات وطائرات الجيش السّوريّ تُدمّر بيد أبناء سوريا، وقد كنّا ندّخرها ليوم لا ريب فيه، وعشّنا دهرًا طويلاً على أوهام النّظام الممانع! وكم يحزّ بالنّفس أن يرى الإنسان جنودًا وضباطًا مجندلين قُتلوا بيد إخوانهم ورفاقهم في السّلاح والعقيدة والأرض .. أيّ جنون بعد هذا الجنون، وأيّ مصير قاتم ينتظر سوريا ما لم تتداركها رحمة الله وألطاف السّماء، وما لم يعرف السّوريّون طريقهم الذي ينجّيهم، والذي لن يكون بغير الإسلام ضامنًا وقاسمًا مشتركًا؛ لأنّ الله هو العدل وديننا دين العدل والوفاء بالعهد والتّسامح والعفو، والسّلام، والله هو السّلام ..

أيّ بلاء ابتليت به المنطقة بحزب البعث سواء في العراق أو في سوريا؛ إذ ليس أيّ منهما بأقلّ دمويّة من الآخر.. كلّ منهما كان شؤمًا على المنطقة وسبب انهيارها انهيارًا سياسيًّا واقتصاديًّا، وكان وبالاً على فكرة الوحدة، وأدّى بما مارسه من أعمال إلى تجذير الوطنيّات والإقليميّات العنصريّة، ودفن فكرة الوحدة إلى أجل غير مسمّى، وغدا المنادون بالوحدة غرباء في أوطانهم غربة صالح في عاد و ثمود ..

يحقّ للمتخوّفين من أسوأ السيناريوهات أن يبدوا مخاوفهم من المستقبل المجهول ليس لسوريا فحسب بل للمنطقة؛ فهؤلاء الذين يقودون سوريا لم يعودوا يحتكمون لغير لغة القوّة والتّشبّث بالسّلطة، ولو على أطلال الوطن، ولو على حساب تدمير مقوّماته ومنجزاته والتعايش بين أبنائه لعقود بل قرون طويلة..

كيف يمكن إنقاذ سورية و المنطقة وإيقاف هذا الصّراع الرّهيب والقتال الجنونيّ؟

على الجيش الحرّ وعلى السّوريّين الثّوار أن يوقنوا أنّ الغرب وعلى رأسه أمريكا ليسوا محسنين ولا جمعيّات خيريّة تبحث عن دور للقيام بأعمال إنسانيّة، وأنّ هذه الدّول بما فيها روسيا والصّين لا تعرف إلاّ لغة المصالح، ولا تعرف لغة المبادئ، وأنّ الدّم السّوريّ المهراق لا يهزّ طرفهم ولا شعرة في مفرق أيّ سياسيّ من هذه الدّول.. وهذا أمر ينبغي أن يعرفه أيضًا رجال النّظام من سياسيّين وضبّاط عسكريّين، وخاصّة العلويّين الذين يمسكون بزمام الحكم والسّلطة.. ولذلك يجب على الجميع أن يتعاونوا لإنقاذ بلدهم وإنقاذ المنطقة من التّدخّلات الغربيّة ومن الرّبيع الاستخباريّ الإسرائيليّ الذي يدمّر قوى المنطقة دون أن يطلق رصاصة واحدة أو قذيفة أو يتكلّف بنزين طائرة، فضلاً عن أثمان الصّواريخ والقذائف.. إنّ على الجميع أن يعلموا أنّ التّاريخ لا يرحم، وسيذكر لكلّ من يبادر ويقوم بإخلاص لإنقاذ سوريا بدور أو عمل، وسيحتفظ التّاريخ بمواقف الذين يشعلون الحرب الطّائفيّة، ويعملون بكلّ ما يجدون ويجتهدون لتنفيذ مشروع التّقسيم من خلال هذا العنف المجنون والتدمير الشّامل للوطن ومقوّمات العيش والازدهار فيه.. والإسلام العظيم صمّام أمان المنطقة وخير ضامن لكلّ من يعيش في ظلّ المسلمين عيشًا كريمًا آمنًا .. فعلى الجميع أن يسير باتّجاه البوصلة ولا يخطئ التّوجّه والتّوجيه، والأمر لا يحتمل الانتظار الطّويل.

JoomShaper