ناصر بن سعيد السيف
مهما طال ليل الظّلم البهيم إلاّ وبعده يسطع نور العدل المبين، وهذا ما تحقّق على بعض الأراضي العربيّة في الأوقات الرّاهنة، فها هي ذي الشّعوب الثّائرة التي تجرّعت - على مدى السّنين الماضية - الظّلم والذّلّ والهوان قد وصل الأمر بها إلى الانفجار في المظاهرات الشّعبيّة التي خرجت تطالب بحقوقها وحرّيّتها المشروعة، وما كان أحد يتصوّر أنّ هذه الأنظمة الطّاغية التي ظلّت تحكم شعوبها بالاستبداد والقهر تسقط بهذه السّرعة – كما رأينا في تونس ومصر، وقريبًا في سوريا بإذن الله تعالى.
وبذلك أيقن المتربّصون من الغرب الكافر وأذنابهم المتخاذلون أنّ الشّعوب إذا أرادت العدل والعزّة والكرامة فلا شيء يقف أمامها – بإذن الله تعالى – لذا تسابق هؤلاء المتربّصون وأذنابهم - كعادتهم – في محاولة التّزلّف لهذه الشّعوب الثّائرة بصورة جديدة وبأيّ طريقة تحقّق مصالحهم.
والمتابع للأحداث المتسارعة العجيبة على بعض الأراضي العربيّة يستبشر بتتابع سقوط الأنظمة الظّالمة الطّاغوتيّة التي لم تعتبر بغيرها، وهذه النّهاية الطبيعيّة لكلّ ظالم مهما تجبّر وعلا في الأرض؛ لأنّ الله – تبارك وتعالى – حرَّم الظّلم على نفسه، وجعله محرّمًا بين عباده، ولنا عبرة وعظة في نهاية الظّالمين من الأمم والشّعوب السّابقة الذين أهلكهم الله – سبحانه وتعالى - بقوته وجبروته وعظمته، كيف لا؟ وقد قال - تبارك وتعالى -: (فكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، وهكذا تكون نهاية الظَّلَمة والطُّغاة وأعوانهم والرّاكنين إليهم على مرّ الأزمان والدّهور، ويعجبني كثيرًا قول الإمام الحسن البصري - رحمه الله تعالى -: (خصلتان من العبد إذا صلحتا صلح ما سواهما: الرّكون إلى الظَّلَمة، والطّغيان في النّعمة قال الله –عزّ وجل-: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)، وقال الله –عزّ وجل-: (وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي).

ومن تأمّل نهاية الظالمين، وما جرى عليهم من العذاب والهلاك – قديمًا وحديثًا – يتعجّب من هؤلاء الظَّلَمة الطُّغاة الذين لايهدأ لهم بال حتى يروا دماء الأبرياء من المؤمنين تنـزف على أيدي زبانيتهم المجرمين (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، ومع كلّ هذا الظّلم والطّغيان نجدهم قد أطلقوا لأنفسهم ولأعوانهم العنان، ووقعوا في مستنقعات الشّهوات والشّبهات، وتجاوزوا الحدود وانتهكوا المحرمات، وجاهروا بالمعاصي والمنكرات، وداهن علماء السّوء في شرعنة أفعال هؤلاء الطّواغيت وما فعلوا ذلك إظهارًا للحقّ، وإنّما جريًا وراء حطام هذه الدّنيا الفانية! أين هم من قول سفيان الثوري -رحمه الله تعالى- عندما سأله رجل فقال: (إنّي أخيط ثياب السّلطان. هل أنا من أعوان الظَّلمة؟ فقال سفيان: بل أنت من الظَّلمة أنفسهم، ولكنّ أعوان الظَّلمة من يبيع لك الإبرة والخيوط).

ولا جرم أنّ الظّلم وخيم العاقبة، شديد النّكاية، يمزّق أهله كلّ ممزّق، ويبيدهم شرّ إبادة، ويخرّب الدّيار، ويقصم الأعمار، ويجعل أهله إلى دمار، فكم قُصِم به من أمم، وفُرِّقت به من جماعات، وخُرّب به من حصون، وأفني به من أجيال، وسقطت به من دول وحكومات، قال تبارك وتعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ)، والذين يظلمون النّاس بغير حقّ، ويعذّبون العباد، ويظنّون أنّ الملك والسّلطة التي في أيديهم، والمال الذي في خزائنهم، والقوّة التي في أجسادهم هي حصون تمنعهم من الله – تبارك وتعالى-؛ ألا فليعلموا أنّ بطش الله شديد، وليتذكّروا قول رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-: (إنّ الله ليملي للظّالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)، ولما حُبس جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي هو وأبوه، قال لأبيه: (يا أبت، بعد الأمر والنّهي أصارنا الدّهر القيود، ولبس الصّوف، والحبس. فقال: يا بني دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها، ولم يغفل الله عنها).

وختامًا... فمن روائع سيرة الخليفة الرّاشد عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى- أنّه سأل رجاء بن حيوة - رحمه الله تعالى - عن حال رعيّته مع العمّال فقال: (رأيت الظّالم مقهورًا، والمظلوم منصورًا، والفقير مبرورًا، فقال: الحمد الله الذي وهب لي من العدل ما تطمئنّ إليه قلوب رعيّتي).

JoomShaper