امرأة من سورية
قالت أم محمد: ذللنا وأهنا نسأل الله العفو.
أم محمد سيدة فاضلة محتشمة في كل تفاصيل حياتها، ربة بيت ممتازة، مطيعة لزوجها، حافظة لبيتها وأسرتها، وجدت نفسها تقف بين خيارين: إما النزوح عن بيتها وبلدها سورية، أو البقاء في مرمى النيران المنصبة من جميع أنواع الأسلحة، مع احتمال تعرض بيتها للاجتياح وتعرضها وبناتها لما لا ترضاه، ولا يرضاه من كان يملك مثقال ذرة من انسانية، اختارت أهون الشرين، تركت زوجها وولدها الشاب ليقاتلا مع المقاتلين،  وهربت مع أطفالها في ظلمة الليل لتجد نفسها في المخيم.
المخيمات أماكن للعيش لا للحياة البشرية، وجبات الطعام تصل جاهزة إلى أماكن التوزيع، حيث يصطف الناس، الرجال والأطفال والنساء،  في طوابير مذلة لاستلام وجبتهم، ومن كان نائما، أو غفل عن الطابور فعليه استدراك ما فاته من خيام الجيران، أو الصبر على الطوى حتى موعد الوجبة التالية. المخيم أقيم في مكان كان مستودعا لأوراق التبغ، النهار هنا يشبه الليل بظلمته، والليل هنا كالنهار في صخبه وضوضائه، الغسالات الآلية تصطف في البهو برتل أحادي، في الطريق الذي يعبره كل سكان المخيم إلى خيامهم، وتقف النساء أمام الغسالات كل واحدة تنتظر دورها، لتغسل ثياب أهل بيتها متخلية عن خصوصيتها وحشمتها، أو عن بعض منها.
الحمامات هنا، هو حمام واحد، تصطف على يساره دورتان للمياه، تشترك فيها كل نساء القسم، فتراها مشغولة في الليل كما في النهار، تمشي المرأة منهن على أعين ومسمع كل النازحين هنا متجهة إلى الحمام، لتقف في الطابور منتظرة دورها، وحين تدخل، تستحم على وقع طرقات على الباب من نساء نزقات تستعجلها الخروج.

بعدما تتناول الأسرة وجبتها تفرغ الأطباق فتحتاج غسلا، ولغسل الأطباق وجع آخر، تأخذ المرأة مواعينها وتقف أمام الأحواض المخصصة لهذه الغاية، تقع الأحواض في الباحة المكشوفة للملأ، على مقربة من المكان الذي يجتمع فيه الرجال لقتل الوقت، إذ لا شيء هنا يعملونه في رحلة الشتات، سوى الحديث عن آلام المخيمات، وعن آمالهم بالعودة، ومتابعة أخبار المعارك في الداخل والمؤتمرات في الخارج.

هل تناسب هذه الحياة سيدة محتشمة مثل أم محمد؟

JoomShaper