صفحة نساء سوريات لدعم الانتفاضة السورية | فيسبوك
في كل مرةٍ أزورها فيها ينكئ الجرح مجدداً... تفتح لي باب المنزل بوجهٍ يشع نوراً وصبراً، وبابتسامة حانية تختفي مع الدخول في التفاصيل.. ليحل محلها دموع دافئة لا تنضب. لا تمل من ذكر صفات ابنها الشهيد... أكثر من عشرة أشهر مضت، ويعود يوم استشهاده بكل تفاصيله.. لأشعر بروحه تحوم حولنا وترتاح قليلاً عند ظل شجرة التوت العملاقة في فسحة المنزل المرتبة والمزدانة بالورد الجوري، ولا تفارق المنزل أبداً.
في هذه المرة أحضرت لي واحدةً من صوره الكثيرة المنتشرة في أرجاء المنزل الكبير... صورةٌ تجمعهما معاً ثبتت لحظة من الماضي وكأن عمرها عشرات السنين... ضحكت وهي تذكر قوله لأخته "صوريني مع أمي صورة حلوة مشان تضل ذكرى إلي بعد ما تموت" تحتضن الصورة بحرقة وتبكي "ترك لي هذه الصورة ذكرى إلي بعد موته". 
تروي تفاصيل الموت والدمار الدائم المحيط بهم "والله اليهود ما عملو اللي عم يعملو هنن" تقولها بحرقة وببساطة، وتستنكر في الوقت نفسه التصريحات الإسرائيلية المتعاطفة مع الشعب السوري "هاد اللي كان ناقصنا".                         

في كل مرة أزورها فيها أشعر بالزمن يمر عليها مسرعاً، ككل أمهات الشهداء... يعشن الماضي بكل تفاصيله.. وكأن ذاكرتهن توقفت عند تلك اللحظة.. يتشاركن القصص مع بعضهن ويتبادلن العزاء، يُهونَّ على بعضهن تارةً، ليعشن آلامهن مضاعفة أغلب الأوقات.

تقول لي بفرح "انتظر حفيداً جديداً... سيحمل نفس اسم الشهيد"، ابتسم لها بعين دامعة وكأنه كتب على أم الشهيد أن لا تفارق الوجع يوماً.. تعيشه كل ليلة... مع كل شهيد جديد.. في كل عزاء.. وجع يتضاعف مع كل طفل وكل خطوة.. لا يوقف تضاعفه المريع هذا إلا إيقاف القاتل... وسكون عجلة الموت المستمرة في سورية.

هو يسيطر على كل تفاصيل ودقائق حياتها اليومية.. يغادرها قليلاً وهي تشارك أم أخرى ألماً مشابهاً... يتشاركان الدموع والذكريات والوجع.. استغرب وأنا أشاهد وجهها قد أشرق بشدةٍ وقتها.. لعله الدمع يحمل النور، أم أنه الألم الذي ينير لنا الطريق، أم كليهما معاً؟

JoomShaper