بقلم: أمير سعيد
هل يمكن أن يشجع حرق الجامع الأموي الكبير بحلب من قبل عصابات طائفة بشار المهووسين من الصهاينة بارتكاب جريمة مشابهة بهدم الأقصى الشريف؟
ربما!
الحاصل على أية حال أننا إزاء حالة من الاعتداء السافر على أحد المساجد التاريخية الأثرية ذات الدلالة الحضارية والعقدية أيضًا يتم التعامل معها من النظام الفاشي الطائفي بالدرجة ذاتها التي تم التعامل بها مع جملة من المساجد والأماكن والمقتنيات الأثرية لسوريا، ثم تم التعاطي من العالم كله، ومنه العالم الإسلامي بمنتهى البرود وسكوت الرضا أو صمت العاجزين..
المصاحف ممزقة، والمقتنيات التاريخية مبعثرة.. بعض المداخل مهدمة والأبنية محترقة..
الجامع الأموي الكبير بحلب قد انتهك، ولا مجال للصق الاتهام بالثوار الأحرار؛ فسوابق النظام تفضحه في كل مكان مقدس بربوع سوريا، كما وأن الجامع المستباح يرمز إلى الخلافة الأموية التي تعاديها طهران ونظام الطغمة الطائفية العلوية بدمشق حد المقت بما لا يضاهيه آخر ينتمي إلى أي ديانة أو ملة على وجه الأرض.
لطالما تساءلت، أيمكن أن نأتمن الباطنيين على مساجد الأمويين، وقبر خالد بن الوليد رضي الله عنه، وضريح صلاح الدين الأيوبي؟! أيمكن أن نأتمنهم على قلعة حلب رمز صمود الإسلام وعزته إلا كما يمكن أن “نأتمن” بني صهيون على مسجدنا الأقصى وقبة الصخرة والمسجد الإبراهيمي وسائر مقدساتنا وهي في حوزة قتلة الأنبياء؟!
لم نكن لنفعل، لا العقيدة، ولا التاريخ يدعواننا أن نطمئن لأولئك الكارهين لنا ولديننا ولتراثنا ولكل ما نعتز به ونفخر؛ فبنو صهيون لم يوفروا زمنًا والأقصى بين يديهم حتى أضرموا فيه النيران؛ فما بين الاحتلال الصهيوني للقدس في العام 1967 وحريق الأقصى لم يكن قد مضى سوى عامين، استعر خلالها الحقد الصهيوني في نفس موتورة متطرفة فأضرم الحقد النيران في الجناح الشرقي من المسجد.. حينها، نسب إلى رئيسة وزراء الكيان الصهيوني جولدا مائير القول: “لم أنم ليلتها، وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجًا أفواجًا من كل حدب وصوب.. لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة”.. وكذلك لم ينتظر بشار أكثر من عامين على ثورة الأحرار حتى عمد إلى حرق الأموي..
“الممر في القسم الشمالي للجامع مدمر وسقفه محترق، كما احترقت محتويات الممر من مصاحف وكتب ومقاعد وثريات، كما دمرت غرفة رفع الأذان، واحترق السجاد وتناثر الزجاج والرصاص الفارغ على الأرض”.. وتمت سرقة ثلاث شعرات وجزء من الضرس النبوي الشريف (أو هكذا يقال) كانت محفوظة في صندوق موضوع في مقام صغير داخل الجامع. وشوهد الصندوق محطمًا، كما تم تدمير المدخل الجنوبي للمسجد..
لا، أنا لا أحكي هنا عن المسجد الأقصى وإنما عن المسجد الأموي الكبير بحلب..
هل نحن حقًا أمة نائمة؟!
إن البرود والفتور والعجز الذي قابلنا به الجريمة لا يذكرنا فقط بما قالته مائير آنذاك، وإنما ربما يفوق ذلك ويتجاوزه إلى تشجيع خليفتها الحالي نتنياهو على المضي قدمًا في مخطط هدم الأقصى؛ فحتى ما اعتبرته رئيسة الحكومة الصهيونية السابقة نومًا أمميًا لا يمكن مقارنته بما يلمس من ردات فعلنا على تلك الجريمة؛ فما تم من مظاهرات بالقدس وغيرها من المدن الإسلامية في أعقاب حريق الأقصى وما استتبعه من عقد أول مؤتمر قمة إسلامي بالمغرب لبحث تداعيات الجريمة، وما لحقه من إصدار مجلس الأمن الدولي قراره الشهيررقم 271، والذي أدان “إسرائيل”، ودعاها إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها المساس بوضعية المدينة المقدسة، وأعرب عن حزنه لما لحق بالمسجد الأقصى.. لا نشاهد نظيره في حادثة الأسبوع ففي حرق المسجد الأموي بحلب لا أثر لأي رد فعل لا على المستوى الإسلامي ولا الدولي.
بكل تأكيد هناك فارق ديني بين المسجدين ومنزلتيهما، لكن من الناحية التراثية هناك تشابه كبير بين حرق محراب زكريا عليه السلام قبل 43 عامًا، وحرق مسجده (الأموي بحلب) الذي يتردد أن جزءًا من جسده الشريف قد دفن فيه..
وبكل تأكيد أيضاً؛ فإن ردة الفعل في الحادثة الأولى لم تكن بالمستوى المطلوب لكن ثمة فارق بين خفوت رد الفعل وانعدامه..(اللهم إلا من تنديد يتيم من اليونيسكو)!
وحيث سترى “إسرائيل” أننا كمسلمين لا نبالي بمثل هذه الحوادث فإن برنامجها لهدم الأقصى قد لا يحتاج في نظرها إلى كل هذه المراحل “المتأنية”، وإنما قد تجد نفسها مدعوة إلى اختزال الزمن وانتهاز فرصة الجمود والبرود للانقضاض على مسرى النبي صلى الله عليه وسلم!
لقد بدا التشابه جليًا كذلك في الدافع لكل منهما؛ فالحقد الذي يملأ قلوب الصهاينة يجد نظيره لدى أولئك الذين يرون أن الإسلام قد أتى فقوض إمبراطوريتهم وأذل كسراهم، وثم كان الأمويون في طليعة من شفوا وساوس الشعوبيين باستعادة ممالكهم؛ فتكررت مؤامراتهم على مر القرون، والحقد يسكن نفوسهم ويغريهم بأن ينتقموا من أصحاب دين سوى بين الشعوب، ولقد أعماهم الحقد فرأوا كل مسلم لا ينتمي إلى طافتهم هو أموي “كافر”، وظلوا يكيدون تارة ويتحينون الفرصة أخرى، وفي هذا الزمان حين اضطر النظام الباطني الطائفي في دمشق أن يرعى المسجدين الأمويين في دمشق وحلب ويحمي قبر خالد بن الوليد مذل كسرى وقواده، وضريح صلاح الدين قاهر العبيديين، لأن أكثر سكان الشام من السنة المسلمين؛ فإنه ظل يفعل ذلك على مضض ريثما تتاح له الفرصة وينقض على تلك الرموز لدولة الإسلام الفتية، يشجعه على ذلك ملالي قم وطهران.. وها قد فعل، وبكل جرأة وحقارة، ولم يمنعه أحد من البشر..
نحن ـ المسلمين ـ نرى أن حرمة الدم المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة التي شرفها الله، لم نقل ذلك نحن بل روي عن رسولنا صلى الله عليه وسلم قوله: “لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق”. وروي بلفظ : “لهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون من قتل مسلم.” وعليه؛ فإن ألمنا لقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين بالداخل السوري ومئات الآلاف خارجه عظيم ومدم، لكن أليست لرموزنا قيمة لدينا؟!
ألا يستحق حريق الأموي مليونية لـ”كشف حساب” هؤلاء؟!
أولسنا أمة واحدة أم أن نقص الوقود والغذاء أعز علينا من سفك دماء إخواننا وانتهاك أعراض نسائنا وحرق مقدساتنا وتمزيق مصاحفنا على أيدي الباطنيين الجدد؟!
أليس لدينا ما يحفزنا أن نتدفق إلى الميادين ثائرين غاضبين، ويحملنا على دعم إخواننا وهم يستقبلون بردًا قارصًا وشتاءً قاسيًا في المخيمات، ويدفعنا لموقف رسمي أكثر فعالية، ويغضبنا ونحن نرى مصاحفنا على الأرض ممزقة؟!
لا أقل من تظاهر ومال ودعاء.. لعل الله أن يعفو عنا.. “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”
هل سيشجع حرق الأموي هدم الأقصى؟. .
- التفاصيل