بقلم د. سماح هدايا
أهيم مذعورة في البراري
البرد يكسرني
الثلج يتكوّم صقيعاً في أعصابي
يطحنني
الشاهدة الوحيدة أنا على المجزرة
الشاهدة على قتلي حية ميتة
***
أشدّ قلبي على وتدي
وأحمل على ظهري نكبتي
والنار في القلب يُشَبّ ضرامها
ألملم غضبا صاعقا ينبت من ضعفي
وبيدين متضرعتين إليه أشكو :
ليس لي قوة سواك يا ربي
لا أسأل استرجاع عمر ضاع مني..
فموتهم قضاء غدر وشم قدري
قد نذرتهم للسماء والأرض ولدي
منذ بدء اللحظة في زمني
منذ أن تكوّنوا روحا في الرحم
إني أسألك عمر ا جديداً أنتقم لنسلي
فرمّمني، ياربي
رمّم كسري وجرحي لأقهر قهري
***
سأجمع شظايا خرابي وقِطعي
وأمشي على الحراب بأقدام زحفي
قوّني بصبري؛ فأدوس ذلي ويأسي
دماؤهم تلفّ نارا حبلا غليظا على عنقي
أأفرّ من دمائهم !!!..أين المفر يا ربي ؟؟..
هل تفرّ أم من صوت المأساة تنهش فلذة الكبدِ
حولي..أشاهدها وحوش الغلّ في نهم مسعورة
حولي تأكل أجساد الموتى المفصولة
تسحق مزيدا من السحق رقابهم المقطوعة
هي تلك طبيعتهم.. ترويها الجريمة فتنتشي..
وحوش الفلا ياربي أرحم لي..
لكني لن تخيفني تلك الوحوش البرية
فلديها، في سطوتها، عفاف الغريزة
ستشفق ختما على جوعي وبردي..
وتتركني أتابع سيري
ربما ترافقني شظف دربي
لتحمي ما بقي في روحي الباقية
ولن يغريها الجسد الهاوي
إنّما تخيفني الشياطين البشريّة
تعيث قتلا وفسادا في عصري
تقود الحروب جريمة تلو جريمة
إنّهم الوحوش الجيوش الجائعة
تمتد لأحقاب نيرون حاقدة هائجة
عرفتهم..وقد اقتحموا بيوت الحي الثائرة
لا جبين لهم .. لا حرمة.. لا امرأة راعية
لا هوية
لا لغة طاهرة
قرأت على أيديهم شعارهم
شعار الغارات الغازية
هؤلاء هم نيرون الدمار والهلاك
سيمزّقون بأظافر الفولاذ جلدي
سيشقّون بالزجاج نسيج لحمي ودهني
ويحرقون الشعر وينشرون عظمي
***
أزحف بطيئا أهرب، منهم، ومن حطام بيتي
وجعا أزحف من زنزانتي المحروقة
قد نفّذوا المهمة الجريمة
أنجزوا قتلهم بشعبي ..بلحمي
بأولادي وأهلي وصحبي
لم يبق لي أحد من نسلي
قتلوا كل ذرية من صلب جدي
أنا الوحيدة الناجية من المجزرة
أنا الوحيدة الشاهدة على المجزرة
بمنطق الصدفة أبقاني قدري
رأيتهم بعيني.. يذبحونهم ذبح النعاج المقاومة
وخرستُ أمام المأساة
كنت بلا صوت.. بلا بصر..كنت العاجزة
اختنقت أنفاسي
تلاشيت في اللاوعي
سقطت كمقتولة بالصعق المدويّ
سقطت ميتة قرب النافذة لا حول لي ولا قوة
تنهار بيدي العزلاء قوة التحدي والتصدي
تخبطت برصاصة أصابت كتفي..
صرخت كملسوع ملدوغ مذبوح من الوريد إلى الوريد
تركوني جثة هامدة..
ما رجعوا يفتشون عن بقايا حياتي
ويتسلون بترتيل الاغتصاب في أذني
كانوا سكرى بمجازرهم التي مارسوها
مخدرين بجرائمهم التي ارتكبوها
كنت أسمع تعابير النشوة الوقحة
وأسمع أصوات النسوة، هناك تتشظى
في مأساة تتلظى
يصرخن ويمزق الفضاء أنين التهشم والتلوي
بياض قلوبهن النازف يعصرني قهرا
سمعت الصراخ الأنين
سمعت شقّ الأنفاس والترويع
كان أزيز القتل يبترني بترا
وسمعت كيف يقطع السياف قلوبهن وأجسادي
وكيف ينهار الضوء في السماء
رأيت القتلة يخرجون كالوباء
تترنّح خناجرهم ونصال سيوفهم بالأشلاء
وعلى الشجر يطلقون الرصاص، وحتى الهواء، والأرض والسماء
يصلبون من كان هائما في العراء
***
لم يروني….
أو ميتةً ظنو ا أنّي..
تركوني للذةٍ في مرأى وحوش تتسلى بقضمي
مذبوحة بفاجعتي على الأرض جروني
وفي جحيم مزبلة مكتظة بالأموات ألقوني
ولما صحوت.. بعد كابوس انهياري
نظرت وأرعبني تكدّس الموت والصمت العاري
لم اسمع أحدا….كأنّ الكون انشقّ وابتلع بلادي
رائحة الشواء تطغى …الرائحة كإغماء تجتاحني
رائحة أجسادهم أهلي وأبنائي
صحبي..وجيراني..
رائحة أجسادهم تبتلع أنفاسي
بيوتهم محروقة و بيتي
أزحف بين حطام الدمار الطاغي
من محرقة لمحرقة أهوي
أشم رائحة أجسادهم أولادي
أكاد أقلع جلدي من جلدي
الدماء سوداء محروقة..
بالوجع والشعر وحطام الأعضاء معجونة
أعضاؤهم أبنائي وأبناء جلدي
أستجمع نفسي والقيء يتقيّأني..
والجرح يشلّ يدا ليست يدي
ودما غزيرا يقطر من دمي
وأجرف دمعي من مشهد البقايا
بقايا أشلاء من كانوا بشرا مني ومثلي
يعتمرون الحياة صخبا في أمسي
تذبح المكان أصواتهم الذبيحة
والدم المحروق يسير كثعبان في عرقي
ينفث سمه في قلبي وأوردتي
ورائحة موتهم.. آه منها.. كيف أصفها بصوتي..
إنّها الانهيار، الإغماء، والتلاشي
***
الآن وما بقي غيرالطريق الوحيد..
الآن إلى معركتي كطوفان أجري
أتعرّى في حربي من عجزي لأحيا
في زحف المسير أجري نارا لأبقى
وفي صراعي للموت أتصدى
فرضٌ أن أنجو من نزيفي وصمتي
وأصير حريق الغضب في وجههم يعوي
انتقام الجرح من السكين والسيف و الجاني
ليس خيارا ، هو القرار ألا يكسرني موتهم وجبني
قررت التحدي. قررت التّصدي
فليت أمامي البندقية
ليت أمامي السيف والمدفع والقنبلة والقذيفة
ليت أمامي الجنون وكل أسلحة الدمار لسحق الجريمة
سأنتقم انتقامي
سأرميهم براجمات قصفي
فمأساتي أقوى من قهري
أكبر من صمت العالم
أكبر من جبن العالم
أكبر من وضاعة الضمير البشري
مأساتي لن يطفئها إلا انتفاضي
ثأري واشتعالي
أصوا تهم أولادي، أحفادي
هي الرصاص الطاهر حقّي
دماؤهم هي الدماء قدري
من المجرمين، بيدي، أستردّ ثأري
فهم ليسوا من سلالات البشر
بل من زرع الحقد والقتل والقهر
هم الوباء. البلاء ، الشر. القضاء
وحين يكون الثأر حق الأرض وحقي.قدرا؛ فعلى وجعٍ من نار وجمر أمشي لا أصفح ولا أسامح قهري فأي شريعة هذه التي كانت؟
وأي عقيدة هذه التي كانت؟
وأيّ تبرير هذا الذي يكون؟
إنْ كنّا قسرا حملنا نعوشنا
فالموت من نعشنا أحيانا
وإذا كان ألمي غلا لا يتصدّى
لمن يسلخون جلدي وجلود أهلي
فلا كان الألم ألمي ولا كان الولد ولدي
لن أرضى,,وإن غابوا، بقاءً في اللا مكان في اللا ذاكرة
في اللا قرار في اللا خارطة
في اللاخيار في اللا قافلة
سأمضي إلى حقي
بهم، ولهم حتى نهايات المعركة سأمضي
لأسترجع اسما كان لي
عائلة كانت لي
بيتا كان لي
ذاكرة كانت لي
سأمضي لحقي ..لحقّ أهلي وأرضي
سأمشي حتى نهايات المعركة
سأصمد ,وإن، وحدي. وأمضي إليهم أمضي