امرأة من سورية
لها زوج يسمى بين الناس زوجا، لكنه في الحقيقة خيال، بل هو أشبه بالظل، يمشي بحذائها في النهار، ويختفي في الظلام حين تشتد حاجتها لرجل يسندها أمام ظلم المجتمع، زوجه أهله ليرموا بثقله على غيرهم، وزوجتها أمها، لتسترها في بيت زوج، قطعا لألسنة السوء أن تمتد إلى سمعتها، وقد أينع صباها وهي مضطرة لاصطحابها إلى البساتين، حيث تعمل بأجر يومي لتعيل أطفالها الأيتام، خوفا عليها- لو تركتها في البيت مع أخوتها الصغار- من الوحدة ومن فورة شبابها المتفتح، وليس حولها قريب يحميها من نفسها ومن عيون المتطفلين.
الصبية التي رضعت الصبر مع حليب أمها، صبرت على نصيبها، مثلما تصبر كل فتاة لا أهل لها، زوجها ورث عن أبيه قطعة أرض، راحت تزرعها وتستثمرها بكل ما أوتيت من قوة وخبرة، لتربي أولادها مثل أية أرملة فاضلة، صالحة، لديها أولاد أيتام، على حسن الخلق وحب العلم، وتنتظر قدوم زوجها، الذي يمضي أيامه تجوالا بين القرى، يبيع هالك الدواب ويشتري، ثم يبيع ويشتري ويخسر، وتستقبله في كل عودة له كما تستقبل امرأة صالحة زوجها القادم من السفر.
اشتعلت الثورة، وعمت بنيرانها كل البقاع، زجت أم حسن بأبنائها في مقدمة الصفوف، وما انقضى المساء الأول حتى جيء بابنها الأوسط، وقد اخترقت رصاصة ساقه، فهشمت عظمه ومنعته من مواصلة المعركة، أسعفه رفاقه إلى إحدى المشافي التركية ليتلقى العلاج هناك، وما لبثت أم حسن أن لحقت به نازحة مع النازحين.
في باحة المشفى استوقفها صحفي ليطرح عليها أسئلته، ويخرج بتقرير يقدمه لصحيفته، فينال عليه مكافأة، وقفت أمامه لتجيب على أسئلته:
- من هي المافيات والعصابات المسلحة التي تقتلكم؟
- هي ذاتها التي أرسلتك لتطرح مثل هذه الأسئلة.
- كم ولد من أولادك يقاتل مع الجيش الحر؟
- كلهم.
- ما شعورك لو جاءك أحدهم جريحا؟
- انظر أمامك، هذا ولدي الجريح يمشي على عكازين.
- كيف تعيشون؟ من أين تأتيكم المعونات؟
- نعيش لأننا لم نمت، ولم تتمكنوا من قتلنا بعد.
- هل تقبلون بحكم الجماعات الإسلامية؟
- نقبل بأي حكم يتركنا نعيش كالبشر، انتظر سأسألك بدوري، منذ سنة ونصف وأنتم تدورون وتصورون وتكتبون، لم تحركوا ساكنا ولم تملوا، ماذا بعد؟ أما آن الآوان لتستحوا من كل هذه الدماء؟
أجهش الرجل بالبكاء، وانحنى يريد تقبيل يدها، لكنها سحبت يدها، وأدارت ظهرها منصرفة لرعاية ابنها الجريح.
ألم تستحوا من كل هذه الدماء؟
- التفاصيل