عبد الكريم بدرخان
لكَ القلبُ
خذهُ إذا شئتَ
واملأهُ بالحزنِ من قلبكَ الممتلِئْ
لكَ الدمعُ
خذْ مقلتيَّ
تعينانِ عينيكِ حزناً
لنشعلَ بالدمع قنديلَنا المنطفِئ
لكَ الذكرياتُ
تسيلُ كأوّلِ أمطارِ أيلولَ
في حاضرٍ يابسٍ
عُـدْ بنا نحو ماضٍ نديٍّ
وفي غيمةِ الذكرياتِ اختبِئ
2
يعبرُ العمرُ في حدقي
كشريطِ الصورْ
وأرى ذكرياتكَ تدخل في ذكرياتي
وتغسلُني بضياءِ القمرْ
كنتَ أكبرَ مني بعشرِ سنينٍ
فكيف تصيرُ المسافةُ بين الحضورِ وبين الغيابْ
سراباً يفتّـشُ عن نفسهِ في صحارى السرابْ
وكيف يسيلُ القدرْ
دمعةً فوق خدِّ الحجرْ ؟!
3
كنتَ أكبرَ مني
وكنتُ أدخِّنُ سِـرّاً
لأبدوَ – مثلكَ – أكبَرْ
كنتُ أسرقُ من شفتيكَ الكلامَ
وأنسبُهُ لشفاهي
ولكنّ صوتكَ في رنّةِ الحرفِ يظهَرْ
كنتَ ضحكةَ كلِّ صباحٍ
وعيداً يزغردُ في غرفِ البيتِ
فارجعْ
فراغُـكَ يملؤنا بالفراغِ .. تصوَّرْ
فراغُكَ يأكلُنا
إذ نضيقُ .. ويكبَرْ
4
حين يأتي المساءُ
وأسكبُ كأساً لنفسي
أحسُّ بطعمِ غيابكَ .. يجرحُ حلقي
ويكسرُ لي قدحي
أتخيُّل كأسي تعانقُ كأسَكَ
يقتلُني فَرَحي
أنتَ في عتمةِ السجنِ
عيناكَ نجمانِ ناما على أفقي
أنت في وحشةِ السجنِ
عيناكَ قوسانِ من قُـزَحِ
أنتَ أنتَ ..
ووجهُكَ يطفو على قدحي
5
وأزورُكَ في السجنِ
أعرفُ أني السجينُ
وأنكَ حرٌّ وراءَ السياجِ
وأنكَ خوفي الدفينُ
أراكَ وراءَ الشِـبَاكِ الكثيفةِ
أنتَ ؟
أم السجناءُ ارتدوا ماءَ وجهكَ
فاتّحدوا بالبياضِ النبيلِ ،
أراكَ تُلينُ الحديدَ .. ولستَ تَلينُ
أراكَ تحلِّقُ فوق الغيومِ
ووحدي السجينُ
* * *
عبد الكريم بدرخان
حمص