نساء ثورة سوريا   
مع تحول الاحتجاجات السلمية في سوريا إلى حرب شاملة كان على النساء البحث عن أدوار جديدة في الصراع الذي يهدف للاطاحة بالرئيس بشار الأسد.
وتقضي أم حسن التي انحنى ظهرها وملأت التجاعيد وجهها نهارها بمنزلها الخرساني الصغير في طهي الأرز والعدس لأبنائها ورفاقهم الذين يقاتلون في شمال سوريا لطرد القوات الحكومية من المنطقة الحدودية.
ثورية ملتزمة
وتقول المرأة البالغة من العمر 65 عاما وهي تبتسم “أنا ثورية ملتزمة. اعتدت المشاركة في كل الاحتجاجات مع أبنائي في العام الماضي” . مشيرة إلى المظاهرات في بداية الانتفاضة ضد الأسد.
وأضافت “لكن الاحتجاجات لا يمكن أن تفعل الكثير بمجرد اندلاع القتال. الآن دوري هو الطهي .. والقلق”.

إنها تمزح لكن كلماتها في غاية الجدية. ففي الوقت الذي يحارب فيه الرجال القوات الحكومية الآن على خط المواجهة فان الأمهات والأخوات والبنات هن من يحملن هم إطعام الأسر أو إخفاء الأطفال من الغارات الجوية اليومية.

وربما لأنهن لا يخضن بأنفسهم غمار المعارك مثل الرجال يمكن أن تعطي بعض النساء صورة أكثر صدقا للاضطراب العاطفي الذي يتعين على السوريين تحمله في ظل الصراع المستمر منذ 20 شهرا واودي بحياة اكثر من 38 الف شخص.

وسعت نساء أخريات للقيام بدور مباشر بشكل اكبر في الانتفاضة المسلحة.

المرأة مسعفة

وكانت آية (18 عاما) وهي متطوعة تقوم باعمال التمريض في السجن عندما دخل المعارضون المسلحون بلدتها حلب قبل نحو ثلاثة أشهر. كانت مسجونة لمدة 40 يوما بسبب تعليق علم المعارضة على قلعة المدينة الاثرية.

وتقول “عرفت في مرحلة ما انه سيتعين علي القيام بشيء أكثر اهمية. بعد ان تحولت الثورة لمواجهات عسكرية خططت لتقديم الإسعافات الأولية على الجبهة”.

وتضع آية على وجهها مساحيق تجميل وترتدي معطفا أبيض وهي تتجول في مدرسة لحقت بها أضرار بسبب القصف والتي أصبحت بيتها الثاني. انها عيادة مؤقتة تحتوي فحسب على ثلاثة أسرة خفيفة متهالكة. وتحفظ الإبر المعقمة في زجاجات مياه بلاستيكية.

ولكونها نقطة تجمع للمعارضين المسلحين تمثل العيادة هدفا لنيران الجيش وتنتشر الحفر حول بعض مستشفيات المعارضة بسبب الصواريخ التي تسقط على مقربة منها.

ويمكن ان يجد المرء الشجاعة في أماكن غير متوقعة هنا. فزميلة آية وتدعى جومانة (28 عاما) خريجة الحقوق الخجولة التي كانت تخشى الإبر في السابق تقضي أيامها الآن في خياطة الجروح واستخراج الشظايا من اجساد المقاتلين.

وتقول بينما كانت قذيفة مورتر تمر من فوقها “ندرك أننا في خطر هنا حتى عندما تبدو الأمور هادئة. في أي لحظة يمكن أن تأتي طائرة حاملة قنبلة. هذا في الواقع يقلل الخوف .. إنه يكسر حاجز الخوف. أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن نموت”.

كانت آية وجومانة ترغبان في أن تكونا قريبتين من خط المواجهة بقدر الامكان. لكن المستشفيات الميدانية تنطوي على تحديات أكبر مما كانتا تتوقعانه. فقد اعتادتا على القنابل والدم والجروح لكن ليس هذا كل شيء.

وتقول اية “يمكننا علاج خمسة أشخاص فقط في وقت واحد ولذلك عندما تسقط قنبلة يتعين ان ينتظر الكثيرون وهم ينزفون على الرصيف في الخارج. لكن ليست الإصابات هي التي تعلق في ذاكرتك.

“فأنت ترى عشرات القتلى في وقت واحد أحيانا. وأمهات يبكين على جثث أطفالهن. أو أم ميتة وقد تجمع أطفالها حولها. في كل مرة تزداد صعوبة المشاهد”.

أدوار جديدة

وحتى لو لم تكن النساء من النشطاء فقد أجبرتهن الانتفاضة على القيام بأدوار جديدة. فأم ماجد لم تعتد مغادرة المنزل من قبل لكنها تتحلى بالشجاعة الآن باستمرار للمرور عبر نقاط التفتيش في مدينة ادلب القريبة التي يسيطر عليها الجيش.

وترضع أم ماجد التي تغطي جسدها من الرأس إلى أخمص القدمين رضيعها حديث الولادة في الوقت الذي تخطط فيه للخروج لشراء البقالة والملابس. وتقول إنها الشخص الوحيد الذي يمكنه القيام بهذا الآن حيث أن زوجها وأبناءها المراهقين مطلوبون للسلطات. ورغم ابتسامها في وجه طفلها ومداعبتها له أثناء حديثها يبدو الحزن في عينيها الخضراوين الداكنتين.

وتقول وهي تغطي وجهها “زوجي قائد عسكري في المعارضة المسلحة. عندما اكتشفت للوهلة الأولى انني حامل بكيت. لم أكن أريد ولادة طفل يواجه هذا المستقبل المجهول. تمنيت ألا يكون ذلك صحيحا”.

وتضيف “تسبب القصف والقتال في إجهاض كثير من جاراتي. ربما كان السبب هو الضغط النفسي. طوال وقت الحمل كنت أتساءل.. ماذا سيحدث إذا اضطررت للهروب من قصف جوي أو غارة للجيش؟ إذا سيطرت الحكومة على المستشفى فمن الذي يمكن أن ينقلني إلى هناك؟”.

ومن فناء منزلها الذي تظلله الاشجار ويطل على الحدود التركية تنفجر أم حسن في البكاء عندما تتذكر مقتل ابنها الأكبر في الآونة الاخيرة. وتخرج من معطفها صورة لشاب أسود الشعر وتلمس وجهه.

ويقول مقاتل توقف عندها لاحتساء كوب من الشاي وهو ببتسم “تقبله الله شهيدا. هنيئا لك يا أم حسن”. ويردد جمع من المعارضين المسلحين معه نفس الكلمات.

لكن لا يمكن لأي درجة من التقوى أو الايمان بالقضية أن تمحو ألمها فتتجاهل تشجيعهم وتنهمر الدموع على وجهها وهي تضرب الصورة برفق قائلة “يا ابني.. يا قلبي. آسفة”.

في قلب المعركة

ولا تقتصر الأدوار التي تلعبها المرأة السورية في الثورة فقط على المشاركة الفاعلة في المظاهرات والتمريض والإغاثة والإعلام وكذلك توثيق الانتهاكات التي كانت هي أيضا ضحيتها، بل إنها متواجدة أيضا في قلب المعركة مع المقاتلين.

وتعددت الأدوار التي لعبتها المرأة السورية منذ انطلاق الثورة في بلاده، فبرز دورها في المجالات السلمية كالإعلام وتنسيق المظاهرات وتوثيق الانتهاكات والتمريض والإغاثة. لكنها لم تكتف بذلك فحسب، بل التحقت أيضاً بالجيش الحر متحدية العقلية العربية المحافظة السائدة. DW عربية تحدثت إلى عدد من الناشطات البارزات داخل سوريا عبر وسائل اتصال مختلفة منها (سكايب، البريد الالكتروني والتلفون).

ولم تعلم طالبة الحقوق مها الخطيب (23 سنة) أنها ستبيت تلك الليلة في المعتقل إبان مشاركتها في إحدى المظاهرات السلمية المناهضة للقوات النظامية. ورغم قسوة تلك التجربة، تجد مها في تلك الليلة نقطة انطلاق لحريتها. وتقول :” لم أعد أخشى نظرة المجتمع لي كامرأة، فما رأيته في المعتقل من انتهاكات أطلق العنان لصرخاتي وأفكاري. فأصبحت أشارك في المظاهرات يومياً صارخة بأعلى صوتي “صوت المرأة ثورة وصمت الرجل عورة!”. اختطف النظام أمي بعيد هروبي من المعتقل في محاولة لإعادتي فأبقوها رهينة لديهم قرابة الأسبوعين، ومع ذلك ما زلت أخرج للمظاهرات وأشارك فيها. لم أعد أهاب شيئاً”.

وتشير الطبيبة الناشطة ديمة العطار (30 سنة) إلى الاختلافات الاجتماعية بين الأرياف والمدن في سياق مشاركة النساء في المظاهرات والاعتصامات، إذ ترتفع نسبتهن في المدن بشكل ملحوظ. لكنها توضح في الآن ذاته نشاط المرأة السورية الريفية في الثورة على أصعدة أخرى إلى جانب التظاهر، كالإغاثة الطبية ومداواة النازحين، إضافة إلى خياطة الأعلام والملابس والطبخ.

ولم تنس ديمة العطار الإشارة إلى الدور النسوي في المجال الإعلامي والحقوقي، إذ صرحت كثيراً ما تقود الفتيات الفرق الصحفية وترافقها إلى أماكن النزوح والمواقع المهمة إعلاميا”. كما ذكرت الدور التوثيقي الذي تساهم فيه النساء بشكل بارز جداً عن طريق مدوناتهن وملفات المعتقلين والمنتهكات، إضافة إلى تصويرهن العديد من المظاهرات وتحميلها على صفحات الإنترنت.

وعلى سبيل المثال، تقوم الناشطة والمدونة الصيدلانية مارسيل شحوارو (28 سنة) من خلال مدونتها “لمحات” بإلقاء الضوء على المآسي الواقعة في مدينتها حلب.

وتعتبر شحوارو من أهم ناشطات المعارضة والتي فقدت والدتها ماريا حين فاجأها حاجر أمني متنكر بزي مدني قرب القصر العدلي في حلب والذي تبين لاحقاً أنه تبع لحزب البعث ، كذلك الناشطة شيري الحايك ومدونتها “طباشير”، إضافة إلى عدد كبير جداً من صفحات الفيسبوك الداعية لحرية المعتقلات، كصفحة “الحرية للناشطة طل الملوحي” والتي اعتقلت ووضعت في السجن قبل انطلاق الثورة السورية.

JoomShaper