محمد كناص
تلك المرأة تقع بين دخان الحطب الذي يقمر خبزها وحرارة النار والشمس التي تلسع بشرة وجهها، وهي ورضيعها الذي يتقلب على فخذها مرميون على شريط حدودي في مدرسة تغير عنوانها من اسم شهيد إلى عنوان لجوء بعيد…
أردت أن أضبط العدسة لأحيط بجغرافية معاناتها وحاولت توسيع فتحة العدسة، إلا أن الدمع ضرب ستاره على عيوني فتعسرت الرؤية وغابت خلف موج من الدخان…
الألم أحاط بها والأمل تيبس في عيونها كما تيبس الحطب الذي تلتهمه نارها… تقلب رغيف الخبز على وجه “الصاج” فيحمر فتلقيه في سلتها، ثم تعود لطفلها فتضع يدها على وجهه تقيه حرارة الشمس بعدما كانت يدها فوق جحيم النار…
على الشريط الحدودي بين سورية وتركيا تعد تلك المرأة الخبز؛ لتتقاسمه مع بشر نزحوا من بيوتهم إلى مدرسة بعيدة باردة أصبحت كشركة قابضة تصدر حاويات القهر والتشرد إلى كل موانئ العالم عبر صور الصحافة وبواخر البث الفضائي…

تلك المرأة اختزلت برغيف الخبز الذي تخطفه من فم النار والدخان معاناة عشرات بل مئات بل آلاف من الأشخاص المشردين، الذين ينتظرون دورهم في الإعلام لينهشهم الصحفيون بكلامهم وصورهم كتجارة مربحة قد تأتي لهؤلاء السوريين برغيف خبز من خليج أو محيط بعيد…

مئات الأمتار تفصل بين تلك المرأة السورية وسوريين آخرين لا يعرفون من المعاناة سوى الألم الحاصل نتيجة تغيير جو الرفاهية بين بلدين بعد خروجهم من سورية إلى تركيا!…

في الريحانية الحدودية وفي عدد من ساحاتها العامة يتجمع يومياً سوريون ليسوا كهؤلاء السوريين على الشريط الحدودي المقابل!… فكل ما يهم هؤلاء هو شراء سيارة آخر طراز قادمة من بلغارية عن طريق تجار سوريين أيضاً!… السيارات تلك تباع بأرخص الأثمان، فالسيارة الكورية موديل العام التي كانت تباع سابقاً قي سورية بـ 800 ألف ل.س تشتري اليوم من تلك البازارات البلغارية سيارتين من طراز مرسيدس!… ثم يدخلها التاجر للمشتري إلى الأراضي السورية وهناك يبرئ التاجر ذمته منها ويذهب المشتري بالسيارة يترفه بعيداً عن هموم الثورة وضرائب الحرية في المناطق المحررة!…

القاعدة التي تحكم عواطف المشتري لدى شرائه السيارة: “صرلنا 40 سنة وبيت الأسد ما خلونا نركب عرباية!… الله يخلينا الثورة”.

هل في عروق هؤلاء السوريين المشردين دم يختلف عن الذي يجري في عروق من يترفه بسيارات لفظتها أوربة لشعب مشغول بالثورة!… وهل تلك المرأة وعشرات الآلاف مثيلاتها خرجن من خدرهن لأجل أن يركب هؤلاء سيارات بعيداً عن رقابة آل الأسد!…

شخصياً لا ألقي كثيراً من اللوم على غير السوريين إن لم يساعدونا؛ فهؤلاء السوريون زبائن السيارات البلغارية أرسلوا بأسوأ رسالة عن حقيقة الشعب السوري المشغول بالثورة وحاجته للمساعدة!… ولسوء حظ السوريين أن أحد تلك البازارات قريبة على مدخل يستخدم عادة لإدخال المساعدات لمن هم في الداخل السوري! فمن يقدم المساعدة للسوريين يلمس مباشرة تلك المفارقة بين شخصين أحدهما يعارك الموت في المخيمات لأجل كرامته! والآخر يعارك الحياة من أجل ضرب آخر من الرفاهية…

أخوتنا السوريين في تلك البازارات ساعدونا بتأجيل شرائكم لسياراتكم أو استتروا في ذلك احتراماً لدم الشهداء، والأفضل أن تشتروا بثمن سياراتكم سيارات إسعاف لسوريين هم أخوتكم يموتون لأنهم يسعفون في عربات أو سيارات شحن…


JoomShaper