مانيا الخطيب
وكأننا نتعرف إلى سوريتنا لأول مرة .. هذا هو السر في كل ما يحدث ..
لهذا فبعد أن كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن خطاب الكراهية، أحببت أن أعيد صياغة بعض مما صنعته الثورة على الصعيد النفسي العميق … مع أنني سأتحدث قبلها عن أشياء مؤلمة ..
لأن ثورة بهذا الجمال، والنبل، والأخلاق .. وتضحيات شعب صلب جبار عنيد لم يعد لديه ما يخسره، فاقت كل حدود التوقع والخيال، وشباب سوري في حالة من اليقظة والوعي لتحديد بوصلة الثورة الفكرية.
إلا أن ما ظهر حتى الآن من قصص يندى لها الجبين، من سوريين آخرين، وأشنعها ذلك من يتعامل مع الثورة السورية وكأنها دعاية انتخابية .. أو من يترك الدماء وهي تسيل في الأرض وينبري لصياغة مطالبه وشروطه ووو …ثم ..قصص تتوارد من هنا وهناك عمن يستثمر معاناة الناس وآلامهم ليتاجر بها..

مذبحة مستمرة وحمام دم أغرق العالم بفجائعتيه، وفي المقابل … لم تتوقف عند بعض شرائح السوريين من بعض ممن تصدر المشهد، المحسوبيات والشللة، والنفعية، ومحاولة شراء الولاءات، والدعم المشروط، وفلان يضرب بسيف فلان وعلان تحت عباءة فلان … حتى تغيب أو تكاد الأصوات المخلصة والكفؤة.

ل أن يكتب المستقبل بحبر الماضي الصدئ”
الأمر المؤلم الثاني، هي انتشار حمى الخوف من المظاهر “السلفية” والتي أجدها مبالغ بها كثيراً، وصادرة من حساسية مفرطة، والأخطر أن هناك من يطرب فرحاً لنجاح هذه الفوبيا في اختراق الناس لأنه لا يريد للثورة أن تصل إلى بر الأمان.

هذا كله ولم نتحدث بعد عن خطاب الكراهية والتخوين بين الناس، ليس فقط بين ثنائيات “معارض” – “مؤيد” بل بين ثنائية “معارض” – “معارض” حسب طريقة المعارضة وما يتليها من شراسة المعارك البعيدة كل البعد عن الهدف الرئيسي وهي اسقاط الاستبداد وتكنيسه من الديار السورية الحبيبة.

باختصار، لن نتخلص من بقايا الديكتاتورية والفساد بين ليلة وضحاها، الناس تحضر نفسها لثورة ثانية من الآن، فوراً بعد سقوط النظام.

حديث المحبة السوري تجدوَل وسارَ في المكان الصحيح، هناك … في شرايين الناس .. في أعماق المجتمع، بدأ بتنظيف العفن المتراكم في النفوس.. ما أتابعه من تجارب، أعادت صياغة العلاقات بين الناس، وفجّرَت طاقاتها، جداولاً من الإبداع والعطاء، شيء لا يصدق … اليوم وصلني آخر عدد من مجلة “عنب بلدي” في داريا على بريدي الالكتروني ويقولون فيه نأسف أنه بسبب القصف العنيف لم نتمكن من مراجعة العدد بشكل دقيق قبل نشره ، هل يمكن أن نصادف أرقى من هكذا شعب؟

هؤلاء وغيرهم من السوريين، ممن ينتمون إلى الثورة ولم يتصدروا أي مشهد، يعملون في دفء وعشق سوري دفين، يبنون وبنسجون حديث المحبة السوري كما لم يكن بهذه المتانة من قبل.

JoomShaper