بسم الله الرحمن الرحيم
فقد أسمعتهم ما يكرهون..
كنت مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه في مكة المكرمة عندما صدح بكلمة التوحيد في الوقت الذي لم يشهد التاريخ الإسلامي استضعافاً كما شهد ذلك الزمان، ومع ذلك وقف أبو ذر رضي الله عنه في وسط الحرم ودوى بصوته الجهوري لا إله إلا الله محمد رسول الله، فانهال أهل الوادي عليه ضرباً، ويأتي العباس منقذاً ومخلصاً مخاطباً في قريش حسها التجاري أما تعلمون أنه من غفار، وأن قوافلكم تمر بأرضهم ذاهبة وآيبة؟ وأراد أن يعيد أبو ذر الكرة لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يلحق بقومه، وخاصة أنه أسمعهم ما يكرهون، وذكّرتني هذه القصة بسيدنا عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عندما جهر بسورة الرحمن بين ظهراني الكفار: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ فراحوا يتأملون، ويقولون: ما يقول ابن أم عبد؟ قالوا: إنه ليتلوا بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه، فجعلوا يضربونه في وجهه، وهو يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله، ثم رجع إلى أصحابه، وقد أثر الضرب بوجهه، فقالوا: هذا الذي خشينا عليك، قال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غداً، قالوا: لا، حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون
استذكرت مع هذه القصة والتي قبلها: مقالة الأخ الكريم محمد غريبو "ليس بأمثال هؤلاء تقوم الدول" وكنت قد وقفت عند تعليقه على الأخ تشرين تقبله الله شهيداً كيف أنه علّق رايةً سوداء وأنشأ إمارة إسلامية في سجنه.
أقول لك أيها الأخ الكريم: من المؤسف أن الثورة السورية بمقاومة الاحتلال الفرنسي قام بها إسلاميون مخلصون وجاء قراصنة التاريخ ونسبوا بطولاتها إلى حثالة من عملاء الفرنسيين وقطاع الطريق كالأطرش وصالح العلي وغيرهم.
وأعود إلى هذا الأخ تشرين تقبله الله في زمرة الشهداء، والذي سأورد ترجمة له بإذن الله عز وجل لاحقا, قد قام بتعليق علم أسود معلناً إمارة إسلامية في عقر دار الطغيان والظلم والجبروت والتكبر والاستبداد فرع الفيحاء فلا أظنه فعلها غباء أو جهلا أو حماقة، وإنما فعل هذا ليبلغ هؤلاء المجرمين الطغاة رسالة مفادها أننا سنقيم دولة الإسلام على أنقاضكم، ونطأ عرنينكم بأقدامنا بعد أن نزيل ركسكم، ونرغم أنوفكم ومعاطسكم، وستعلو راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ولو كره الكافرون ولو كره الظالمون ولو كره المجرمون ولو كره الحاقدون ولو كره من كره. (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون)
عزيزي الكاتب: إنك تعلم أن هؤلاء الذين عنيت بقولك هم في مقدمة المعارك يشهد بذلك المجاهدون وإن القادة هم من هؤلاء فقادة أحرار الشام من هؤلاء وقادة حركة الفجر الإسلامية منهم والذي يقود ألوية صقور الشام ممن ذكرت وقائد لواء الإسلام هو منهم وأنا واثق أن بشار الأسد ليتمثله في مخيلته وأن شبحه لا يغيب عن باله.
أخي الكريم أنا مثلك أخالفهم الرأي وعانيت منهم ما عانيت لكن لا بد من وجودهم فتعال لنضع أيدينا بأيديهم ونلبي نداء المولى "وتعاونوا على البر والتقوى" فالذي أمرني أن أخالفهم أمرني أن أكون منصفا معهم ولا أغمط الناس حقوقهم.
ابن أبي عيسى قائد ألوية صقور الشام الذي لم يجاوز الستة عشر ربيعاً يتصل بأمه من أرض المعركة وقد اختلط صوته بقعقعة آلات الحرب ويقول لأمه: (أنا زعلان منك يا أمي لأنك ما دعوت لي بالشهادة فكل رفاقي نالوا الشهادة وأنا لم أنلها) فأكرمه الله بالشهادة فالذي ربى ابنه هذه التربية تقوم به الدول وأمة فيها هؤلاء تقوم عليها الدول.
أرجوك عزيزي الكاتب أن تهب هنات هؤلاء لتضحياتهم وبطولاتهم التي يتشرف تاريخ المجد باحتضان أخبارهم.
وسل تاريخ الإسلام وسينبيك بمئات القصص البطولية، والتي تفيدك بأن عزة المؤمن تبقى في قلبه حتى ولو كان في حالة ضعف أو هوان.
علّمنا التاريخ أن العزة لبوس المؤمن، والذلة رداء الكافر، ولا تخفى عنك قصة حبيب بن زيد وتقطع أوصاله ويشهد لنبيه بالرسالة وبلال الذي كان يطرحه أمية بن خلف في بطحاء مكة وكانت توضع على صدره صخرة إذا حميت الظهيرة ولو وضع عليها قطعة لحم لنضجت، وهو يقول: أحد أحد، ولو كانت هناك كلمة أغيظ لأمية لما وفّرها، وخبيب المصلوب يقول: ما كنت أتمنى أن أكون بين أهلي منعماً ورسول الله يشاك بشوكة، وما أجمل ما قال:
فلست أبالي حين أقتل مسلماً *** علي أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع
وأخيراً إخواني المجاهدون رفقاً بإخوانكم الإسلاميين الذين قُدر لهم أن يكونوا في حقل السياسة أو الدعوة فأنتم وهم همكم واحد هدفكم واحد خطكم واحد, وإياكم والفرقة والخلاف (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وأبشروا بنصر موعود على لسان الرسول: (بشر هذه الأمة بالسناء، والنصر، والتمكين، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب).
خواطر ثورية من وحي الأحاديث النبوية ـ 6 ـ
- التفاصيل