كان الطفل يحمل الخبز ويضمّه إلى صدره ، ويمشي .. فوقف الرجل ينظر إليه ويتأمله .. ويتساءل : -كم ساعة وقف هذا الصغير في انتظار دوره للحصول على الخبز ؟ -كم ستكفي هذه الأرغفة القليلة عائلة كاملة ؟ -كم فرداً بقي من عائلته يا ترى ؟ -أليس له إخوة أكبر منه يقفون على طابور الخبز بدلاً عنه ؟ -كم طفلاً بعمره يقفون مثله الآن على الطوابير في هذا البرد الشديد ؟ -يا الله .. هل كانت الثورة تستحق كل هذه المعاناة ؟ لم ينتبه الرجل إلى أن نظره كان طوال هذا الوقت مسمّراً على الطفل ، وكان الطفل يسترق النظرات وجلاً من تركيز الرجل عليه ، حتى تجاوزه بخطوات .. فأشاح الرجل نظره عنه ، وغطى وجهه بكلتا يديه من شدة الهم الذي ألمَّ به ، ولم يشعر إلا بالطفل قد عاد أدراجه ووقف أمامه ، وقال له ببراءة مطلقة : عمو ، بدك خبز ؟ إذا جوعان كتير بعطيك هدول وبرجع بوقف عالدور ، معلش أهلي بيستنوا ، أخوي أخد ربطة قبلي وسبقني ! فانهار الرجل وسقط على ركبتيه ، وضمّ الطفل إلى صدره ، وأجهش بالبكاء كالمجنون ، وليس بينه وبين صدر الصغير .. إلا رغيفُ خبز

JoomShaper