د.أحمد الشامي
في ذاك اليوم الربيعي من نيسان 2011 خرج “حمزة” ذو الثلاثة عشر عاماً من بلدته “الجيزة” مع أصدقائه وهم يمزحون ويضحكون، حاملين معهم الخبز والمؤن لمدينة “درعا” المحاصرة. لم يكن أي منهم يتصور أن هذا اليوم سيكون فاتحة كابوس أسود وأن أيا منهم لن يعود ليروي تفاصيل ما حدث له. “حمزة” خرج وهو يحمل براءة الطفل الناظر ٳلى الحياة بعيون ملؤها اﻷمل والمحبة، كان حمزة يريد أن يشارك أطفال “درعا” في طعامه ويخفف عنهم الحصار والجوع.
حين واجه “حمزة” ورفاقه مفرزة اﻷمن التي “تصدت” لهم في صيدا لم يكن لدى هؤلاء اﻷطفال مبرر للخوف، فهم لم يقترفوا جرماً وعناصر اﻷمن الذين في مواجهتهم هم “من أبناء البلد” ولا بد واﻷمر كذلك، أن يساعدهم هؤلاء في جهودهم لمد يد العون ٳلى أطفال درعا المحاصرين دون ذنب أو جريمة.
كم كان هؤلاء اﻷطفال مخطئين، فمن كانوا في مواجهتهم لا يمتون للبلد ولا للبشرية بأية صلة…العالم كله سيرى نتائج وحشية “جند اﻷسد” على جسد “حمزة” الغض وأجساد رفاقه، أفعال جلاوزة اﻷسد ستفوق في وحشيتها كل جرائم النازية والفاشية مجتمعة ولا مثيل لها منذ غزوات “هولاكو”.
حين شاهد “أبو فرات” على شاشة تلفازه جثة الشهيد الطفل “حمزة الخطيب” لم يدر بخلده للحظة أنه سوف يكون، هو الآخر، من بين شهداء الثورة السورية الكبار. بعد أيام، وحين أذاعت وكالات اﻷنباء أن مدرسة الشهيد صار اسمها مدرسة “الشهيد حمزة الخطيب” بقرار من المواطنين الثائرين، اعتقد الرجل، كالكثيرين غيره، أن الموضوع هو “فورة وبتمر…” مثلما جرى في “سوريا اﻷسد” منذ 1979، لم يتصور الرجل أن يوماً سيأتي وسيزين اسمه، مسبوقاً بلقب “الشهيد” مدخل مدرسة المشاة الرهيبة في المسلمية.
حين تلقى العقيد “يوسف الجادر” قائد سرية الدبابات في اللاذقية اﻷمر بالتوجه ٳلى قرية “الحفة” شعر “أبو فرات” أن ساعة الجد قد اقتربت وبدأ يدرك أن اﻷمور مختلفة هذه المرة. الرجل عقيد ركن في سلاح المدرعات السورية، متواضع، شهم ومحبوب من رجاله الذين يحترمون نزاهته وحكمته. الاختيار صعب، فالرجل رب عائلة ولديه والتزامات، ولا أحد يطلب منه قصف بلدته، “جرابلس” بل “الحفة” التي لا يعرف أيا من سكانها.
في لحظة من الصدق مع الذات أولاً ومع الوطن ثانيا، اختار الرجل أن يرمي وراء ظهره كل “الامتيازات” التي وفرها له نظام اﻷسد، قرر ان يخاطر بكل شيء وأن يكون رجلاً لا كالرجال، في زمن عز فيه الرجال وحتى أشباه الرجال، العقيد الركن “يوسف الجادر” قرر أن ينشق وأن ينضم للواء التوحيد بل وأن يصبح من قادة هذا اللواء.
لا نعرف ٳن كان “أبو فرات” قد استلهم شجاعة “حمزة الخطيب” ورفاقه من أطفال حوران حين انشق ، لكن اﻷكيد أن الرجل رفض أن يكون في صف قتلة اﻷطفال واختار ان يكون في فسطاط الشهداء و”حماة الديار” الحقيقيين.
نظام اﻷسد الذي اغتال براءة الطفل “حمزة” أيقظ المارد الهاجع في صدر الرجل البالغ “يوسف” وفي صدور الآلاف وعشرات الآلاف من أمثاله ممن اختاروا الدفاع عن براءة أطفال سوريا في وجه القاتل اﻷسدي البشع.
جلاوزة اﻷسد ممن لم يحتملوا نظرات البراءة والشهامة في عيون الفتى اليافع “حمزة” أرادوا قتل الرجل الكامن في صدر هذا الطفل لكي لا يصبح يوماً بالغاً و”يتمرد” على ظلمهم ودناءتهم، لذلك قاموا بقطع عضوه الذكري لكي يقضوا حتى على رجولته القادمة، هو وكل سوري لا يسبح بحمد اﻷسد، جرائم جلاوزة اﻷسد أيقظت الرجولة الكامنة في قلب كل سوري حر.
في السابع من كانون اﻷول 1941 قاد اﻷميرال الياباني “ياماموتو” الهجوم الغادر على “بيرل هاربور” والذي نجح في تدمير أسطول المحيط الهادئ اﻷمريكي. في طريق العودة وحين كان اليابانيون يحتفلون بانتصارهم، قال اﻷميرال “هذا ليس نصراً، بل عمل خسيس وعقصة حشرة سوف توقظ العملاق اﻷمريكي النائم وسندفع ثمنها غالياً”. بالفعل، استيقظ المارد اﻷمريكي ورد الصاع صاعين ﻹمبراطورية الشمس المشرقة.
حين طرح الرئيس “ترومان” على مستشاريه خطته لقصف مدن “هيروشيما” و”ناغازاكي” بالقنبلة النووية، احتج بعضهم بأن هذا العمل سيوقع الكثير من الخسائر بين المدنيين. كان رد “ترومان” : “لسنا نحن البادئين، هذا شعب غادر لا يحترم عهوده ولا أمان له، يكفي أنهم غدروا بنا وقتلوا جنودنا دون مبرر ودون استفزاز”.
كلنا يعرف كيف انتهى اﻷمر، مع الجنرال “ماك آرثور” يدخل بحذائه العسكري ليملي شروط الاستسلام على امبراطور اليابان “هيروهيتو” في قصره.
لن يكون الشهيد “أبو فرات” بين الداخلين لقصر اﻷسد “لقطف” رأسه ورؤوس جلاديه، لكن العملاق السوري الكامن في قلب كل مقاتل حر قد استيقظ ولن يعود للسبات بعد اليوم. كنا جميعا مشاريع الشهيد “حمزة الخطيب” اليوم أصبحنا مشاريع الشهيد “يوسف الجادر”… كلنا صرنا “أبو فرات”.
انتهى زمن السوري الخائف الذي يستجدي الحرية، الطفل البريء حامل الخبز باستكانة والذي ذبحه “جند اﻷسد” حل محله مارد مقاتل لا يرضى بغير أن يفنى اﻷسد.
د.أحمد الشامي
المارد السوري
- التفاصيل