تسارعت الأحداث في الآونة الأخيرة لترتيب البيت السوري الذي بدأت تقترب انتفاضته من العام الثاني ولما يستطع المجتمع الدولي، ولا العربي، ولا الإسلامي من وقف نزيف الدم على أرض الشام الحبيبة. لقد عقدت اجتماعات كثيرة للمعارضة السورية في تونس، وتركيا، ومصر وقطر وباريس و و ولكنها – كما يزعمون - لم تتمكن من توحيد جهودها حتى يتمكن العالم من الوقوف إلى جانبها، ولم تتفطر قلوب الجميع من جريان الدماء في سوريا ولا مناظر الدمار والخراب، لأن المعارضة لم تتوحد!!! وكأن أرواح السوريين ليست من طينة البشر؛ بل هي من ضئضئ عالم آخر لا يستحق الحياة، وقد سخر بشار الأسد مرة في إحدى كلماته في مجلس الشعب – وهو السخيف – سخر من العالم وقال: إنهم يتهمون سوريا بكذا وكذا وكأنها أصبحت دولة عظمى!!!
إن الذي جرى في سوريا ومازال يجري هو الذي يؤخر المجتمع الدولي من التدخل لإنهاء هذه المهزلة التي يسمونها المعضلة السورية. إن المراقب يحس أن هناك أمرا غير طبيعي يحيط بالمشكلة وخيوطها ومفاصلها ونخاعها ولحمها ودمها. هذه المشكلة – في نظر الغرب والشرق وفي نظر العلمانيين الأحرار!!! من العرب والليبراليين المتطورين المتمدنين!!! من هذه الأمة التعيسة بهم جميعا المشكلة هي: أنهم - ومن خلال وسائل الرصد المتنوعة – يشاهدون ظهور نفس جديد في انتفاضة سوريا أخذ يدخل أجساد فئات لا بأس بها في المجتمع السوري السني - أقولها صراحة وبدون لف ودوران – بدؤوا يحسون بوجود روح انبعثت من رقادها الذي رقدت فيه عقودا؛ هذه الروح التي تقاتل النظام من منطلق مفهوم الجهاد الإسلامي، وليست مرتبطة بأحد – ولا يهم إن كانت قليلة العدد أم كثيرة – وتطالب الناس بالعودة إلى دينها الذي حرمت بركاته منذ حوالي أكثر من قرن من الزمن. إن الغرب يخاف من انتفاضة سوريا الجديدة وروحها الجديدة هذه؛ ولا سيما اليهود وأشياعهم وما أكثرهم في المنطقة! وعندما أتصفح الفيسبوك وتويتر وبعض وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى- ألمس النظرة العدائية تجاه النفس الإسلامي المركوز في أنفاس بعض الفصائل المقاتلة. هذه النظرة الحاقدة على الإسلام لم ألمسها فقط في تصريحات الغربيين فحسب؛ بل وجدتها في مخرجات النفوس التي تنتمي إلى الإسلام ظاهرا، وهي تكره أن يعم خيره وعدله ومساواته العالم. تلك النفوس التي تربت على مفاهيم القومية الجاهلية والوطنية المغلقة، وتربت على أن الإسلام دين في المسجد، ولا علاقة له بالحياة، وأن حرية الإنسان مثل حرية الحيوان!! وأنه لا شأن له بالآخرة – هذه النفوس لا يروق لها أن ترى أعلام الإسلام العظيم ترفرف في سماء الشام ولا في غيره. بل إن المتصفح ليحس أن هناك تحييدا متعمدا لمفاهيم المنهج الرباني الكبير، ويريد هؤلاء أن يسوقوا مشاريعهم التي أوقعتنا في متاهات تركتنا بلا هوية ولا جذور، ولا شخصية ذات ملامح متفردة ((كنتم خير أمة أخرجت للناس......))سورة آل عمران، وهم متخوفون من انتشال الإسلام لهم من البهيمية التي يعشون فيها، ويريدون أن يفرضوها مرة أخرى على شعبنا المسلم الذي يشكل أكثر من 85% من سكان سوريا. تبا لهؤلاء أما كفاهم أن غردوا وصدحوا سنين مع أسيادهم حتى كادت الأمة أن تنسى دينها الذي هو عزها في الدنيا والآخرة. نحن – إذا حكمنا – سنكون عادلين مع من يسكن معنا في هذا الوطن، ونؤمن له العدل والمساواة، ونرفع عنه الظلم، ونحفظ له الكليات الخمس : الدين والعقل، والنفس، والعرض والمال، وكأنه واحد منا. فماذا يريد هؤلاء؟!. عندما تحكموا فينا هل حققوا لنا مثل هذا!!! لا ينبغي أن يخاف أحد منا، فنحن أمة تحكمها شريعة لا هوى، ودين لا نوازع جاهلية. أنا أعلم أن هناك من يسيء إلى الإسلام باسم الإسلام، ولكن هذا ليس مدعاة لأن ننحي الإسلام جانبا تحت هذه الذريعة الواهية وإلا إذا أخطأ أي إنسان في استعمال أمر مشروع بأن يكون العلاج هو طرحه؛ فهذه هي الحماقة. فكم استعمل كثير من البشر عقولهم وأموالهم وطاقاتهم الممنوحة لهم من خالقهم وهي حلال لهم – استعملوها فيما لا ينبغي، فهل نقول لهم: إن العلاج أن تعيشوا بلا عقول ولا مال. الحكمة هنا هو ترشيد المسيرة وتسليمها إلى قادة مخلصين أوفياء أتقياء أخفياء. أخذ الغرب - وهؤلاء الذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ولا يدينون ديننا، ويضيقون ذرعا بمبادئنا التي يؤمن بها الغالبية العظمى من السكان ـ أخذ الغرب ومن لف لفهم بالتحرك السريع (بعد أن رتبوا الأمور بطريقة ترضي أتباع إبليس، ومن سار في فلكهم) عن وعي، أو جهل، أو سوء فهم، أو غباء، أو كراهية، أو اقتناع بأنصاف الحلول ولو على حساب مصالح السوريين منتهزين فرصة شعور الكثيرين أن لا حل إلا بهذا، وإذا لم يرض الناس بأطروحاتهم، فالبديل هو بقاء النظام الذي صار كابوسا مرضيا مخيفا، وظلاما لا بصيص نور فيه ربما ـ في حال رفض المشروع الغربي هذا ـ يستمر نصف قرن آخر وهذا وضع مرفوض. إذن لا بد من استغلال الوضع، وفرض حل يرضي الأقليات مرة أخرى، ولا يكون إلا بترك الحياة بلا دين. تحركت دول الغرب بإيعاز من أمريكا لفرض حل على المنطقة؛ لذا هب هؤلاء بالتعاون مع معاونيهم في هذا العالم، وشكلوا الائتلاف الوطني السوري برئاسة معاذ الخطيب (الذي هو مصطفى عبد الجليل الجديد) ونوابه: سهير الأتاسي! ورياض سيف، وبانتظار أن يعلن الأكراد عن النائب الثالث!! لتكتمل الطبخة، وتفوت الفرصة على المخلصين الذين قدموا الغالي والرخيص للتخلص من هذا النظام البائد. لذلك تحرك العالم لمباركة المولود الجديد الذي يرضي شكله المنغولي كل الفرقاء. وقد نسلم معهم – على مضض – على أنها مرحلة مؤقتة، ولكن من الذي يضمن المستقبل، ومن الذي يضمن ألا تتكرر مهزلة الشيخ تاج الدين الحسني ومن جاء بعده ( عصر الانقلابات من الشيشكلي والحناوي والزعيم ووو ) حتى يسلم الأمر إلى الأقليات! ونعود إلى المربع الأول!!!! ألا فلتطمئن الأقليات إننا حين نحكم من يسكن معنا من الشرفاء منهم وغيرهم أننا سنعدل كما عدل عمر رضي الله عنه في مسألة القبطي، وكما عدل علي رضي الله عنه عندما أهوى بسيفه على الأرض حتى لا يقتل الرجل الذي بصق عليه كي لا ينتقم لنفسه، وكما عدل صلاح الدين في قضية الطفل الذي فجع أمه (أيام تحرير بيت المقدس)، وكما عدل عمرو بن العاص – رضي الله عنه - مع الأقباط ولن نكون سوى ما قال ربنا (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.....)سورة النساء، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد. إن ولادة المشروع الجديد برعاية فرنسا وبريطانيا، ومباركة أمريكا ما كان ليظهر لولا أن الجميع متفقون على مستقبل سوريا المدني!!! الليبرالي العلماني!! وعلى أن الإسلام ينبغي أن يكون في المسجد، وفي بعض القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقفية. إنهم – بصراحة – لا يريدون الإسلام الحق، ويفضلون شريعة حمورابي عليه!! فالحقد عليه قديم، وسيظل ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ....)) سورة البقرة. سيظل الغرب يماطلون في الحل حتى تدمر البلد فوق رؤوس ساكنيها، وحتى يطمئنوا إلى الجهة التي ستحكم سوريا، وعلينا أن نزداد تمسكا بعقيدتنا وشريعتنا التي هي رحمة لنا وللعالمين ولو غضب علينا الأحمر والأصفر، (( ....فاصبر إن العاقبة للمتقين))سورة هود، ولن يكون إلا ما قدر الله.