محمد فاروق الإمام
تتزاحم في هذه الأيام، وقد دنت ساعة الحسم، المبادرات المطروحة من هنا وهناك ومن خلالها كل يغني على ليلاه ويدعي حبه للشعب السوري وحقن دمه وإشفاقه على سورية ومنع تقسيمها، والكل في حقيقة الأمر يسعى من خلال هذه المبادرات لإيجاد مخرج آمن لسفاح سورية وكبراء عصابته والحيلولة دون سقوط النظام والضغط على المعارضة للجلوس مع هؤلاء القتلة للتفاوض حول تقرير مصير سورية ما بعد الأسد.
وقد صمت هؤلاء عن قصد أو غير قصد صمت أهل القبور عن نهر الدماء الذي تفجر من أجساد السوريين.. وعشرات الآلاف من الشهداء الذين أزهقت أرواحهم، وأضعافهم ممن فقدوا أو غيبوا في السجون والمعتقلات، وإجبار الملايين على ترك بيوتهم هرباً من براميل الموت وقنابل الطائرات ودانات المدفعية والدبابات داخل سورية وخارجها، وقد عم الخراب والدمار المهول جميع المدن والبلدات والقرى السورية التي غدت أطلال مدن وبقايا حياة، جعلت الناس يهيمون على وجوههم في كل الاتجاهات على غير هدًى، بحثاً عن ملجأ في كهوف الجبال ومنحنيات الوديان وفي ظل جذوع الشجر يحميهم من شظايا الصواريخ والقنابل ورصاص القناصة، يبحثون عن الأمن والأمان المفقود، وحتى عند عثورهم على هذه الأماكن فآلة القتل تلاحقهم أينما ارتحلوا وأينما حلوا..
وعندما كانوا يبحثون عن رغيف الخبز يسد جوعتهم وجوعة أطفالهم للبقاء في عالم الأحياء، كان القصف المجنون يحول القليل من رغفان الخبز التي تمكنوا من الحصول عليها بعد انتظار وعناء مغموسة بالدم النازف من أجسادهم بفعل القصف المجنون الذي لا يميز بين مسالم ومقاتل، وعندما كانوا يبحثون في الغابات عن بقايا أغصان الأشجار ليعودوا بها إلى أطفالهم ليتدفئوا على نارها كان الموت بانتظارهم على يد شبيحة النظام.
المأساة أكبر من أن يحاط بها أو الإتيان على مفرداتها فكل ما يجري في سورية مرعب ومخيف ويدمي القلوب، وكل هذا يجري منذ أكثر من عشرين شهراً دون أن تتحرك للمجتمع الدولي جارحة أو يهتز له ضمير، فكل الصور الحية التي تخرج من سورية وما تحمله من مآس وآلام وأحزان وخراب ودمار ونزوح وشتات ولجوء باتت جزءاً روتينياً من حياة أفراد هذا المجتمع البئيس يشاهدونه على الشاشات الفضائية كما يشاهدون مسلسلات الرعب وأفلام عصابات المافيا!!
في هذه الأجواء الرعيبة والمخيفة والمؤلمة والمحزنة شق أحرار سورية طريقهم ليسطروا ملاحم تقصر عند ذكرها كل البطولات الخارقة التي روتها لنا كتب التاريخ، ويبهروا العالم بما يحققوه من انتصارات سريعة وماحقة على جيش خائن أدار ظهره للعدو الصهيوني، وتوجه بفوهات مدافعه ودباباته وراجمات صواريخه وبنادقه إلى ظهور أبناء جلدته ومواطني بلده، يقتل ويدمر ويسبي الحرائر ويفعل ما لم يفعله التتار في بغداد وحلب ودمشق، والصليبيون في بيت المقدس، والفرنجة في غرناطة وأشبيلية لإرضاء نكرة لا أصل له، تربع على حكم سورية بقوة البسطار والبندقية، هذا الجيش الخائن الذي تنكر للقسم الذي ردده أفراده صباح مساء وفي كل المناسبات الوطنية، وتدفع له الرواتب وتشترى له الأسلحة والعتاد والتجهيزات من عرق وجهد هذا الشعب الصابر والمصابر ليحمي حدود الوطن ويذود عن الحياض، فلا يجد هذا الشعب في المحصلة أنه وحده المستهدف دون الأعداء!!
أقول في غمرة هذه الانتصارات الباهرة التي حققها ويحققها الجيش السوري الحر والثوار الأشاوس، وهم يتقدمون بخطى ثابتة نحو مخبأ هذا الأفاك المجرم ويضيقون الخناق عليه، يتسابق هذا المجتمع الدولي الذي غض الطرف عن هذا القاتل السفاح لأكثر من عشرين شهراً ليفعل ما فعل بسورية وشعب سورية.. يتسابق هؤلاء إلى طرح مبادرات من أجل تأمين مخرج آمن لهذا المجرم كي ينجو من القصاص.. ولكن هيهات هيهات لهذا الأخرق من قارب نجاة يحمله، وقد أعطب الثوار كل القوارب وقطعوا كل الحبال، حتى بات الطريق إليه سالكة للقبض عليه ودفعه إلى يد العدالة، التي لن يرضى الشعب السوري عنها بديلاً ولو تدخلت كل قوى الأرض، فوقوف هذا المجرم في قفص العدالة هو أقل ما يمكن أن تقبل به الثورة السورية وفاء لأرواح الشهداء الذين قضوا على مذبح الحرية ووفاء لدماء الأطفال وأعراض الحرائر وقباب ومآذن دور العبادة.
آن للعالم وما يسمى بالمجتمع الدولي أن يصمت خجلاً من موقفه المشين والغير أخلاقي مما يجري في سورية، ولعل هذا العالم وهذا المجتمع شاهد على شاشات التلفاز يوم أمس المجزرة البشعة التي ارتكبها النظام في مدينة حلفايا حيث أقدم طيرانه المجرم على قصف الطابور الذي ضم مئات الأطفال والنساء والشيوخ والرجال المصطفين أمام الفرن الوحيد في المدنية للحصول على رغيف خبز يسدوا به جوعتهم بثلاثة صواريخ أدت إلى استشهاد ما يزيد على مئة شخص وإصابة المئات بجروح مختلفة، تزامناً مع عرض وزير إعلام النظام في مؤتمره الصحفي الذي عقده في دمشق أمس، مستخفاً بدماء السورين وتضحياتهم داعياً المعارضة في الداخل والخارج للجلوس إلى طاولة الحوار وإن ينسوا إلى الأبد موضوع إسقاط النظام ورحيل بشار الأسد، وتزامناً مع عودة الإبراهيمي إلى دمشق للقاء مجرميها لعرض خطته المتضمنة – كما سربت وسائل الإعلام – أن يبقى بشار الأسد في منصبه حتى انتهاء مدته القانونية إلى عام 2014، فبالله عليكم أيها العالم وأيها المجتمع الدولي هل هناك في سورية مواطن واحد يقبل مثل هذا التخريف؟!
ختاماً أقول للمتسابقين والمتزاحمين على تقديم المبادرات وأطواق النجاة لهذا السفاح: (شكر الله سعيكم نرجو أن تخلوا بيننا وبين هذا الإرهابي القاتل!!)....
شكر الله سعيكم.. خلوا بيننا وبين هذا الإرهابي القاتل
- التفاصيل