د . إياد أبازي
راحت سنة و جاءت سنة كل عام و أنتم بخير يا من تزرعون في الدنيا قمح و سلام و خير
ملحمة جديدة و اسطورة جديدة لا تشبه سابقاتها لا في الشكل و لا في المضمون إنها من واقع الزمان و المكان, أبطالها أناس عاديين و بسطاء, قد لا يكون بعضهم قد قرأ التاريخ لكنهم يكتبون تاريخاً جديداً في صفحات الإنسانية و البطولة و الشجاعة التي لم نرى و لم نسمع و لم نقرأ مثيلاً لها, لا قبل الميلاد و لا بعد الميلاد, و لا حتى قبل التاريخ و لا بعده.
إنها قصة شعب يعيش في بلد اسمها سورية, يملك إرادة اختراق حدود الممكن, أصر أن يغير وجه التاريخ و يعيد صناعته من جديد في ظل متغيرات دولية عميقة و معقدة جداً و تطور تكنولجي غيّر الكثير من مفاهيم و آلية تفكير أجيال جديدة ولدت في نظام قديم لم ينته بعد و تطمح لنظام عالمي جديد بدأ يتشكل فاتحاً مسارات كثيرة قل من يعرف نتائجها, عموماً هذه حتمية التطور التاريخي و صيرورته.
ربما كانت لحظة التحوّل التي نعيشها تحجب وعي ما يجري، لكن الربيع العربي انطلق و خاصة في سورية و الذي منها سيتوسع أكثر إلى كل الوطن العربي، و يمتد إلى بلدان مثل جنوب أوروبا وشرقها. وهذا الوضع ربما أعطى قوة للسلطة لكي تمارس أقصى عنفها الدموي، لكنه يعطي الأفق لهزيمتها، لأنه جعل الشعب في وضع لا خيار أمامه سوى الثورة من أجل التغيير. وعلى رغم أن السلطة بدت أنها خارج هذا «العالم» في إطار التصنيفات السياسية الدارجة.
أحداث مؤلمة تجري على الأرض السورية تفوح برائحة البطولة و الدم و الخراب…
تستقبل بلدنا عاماً جديداً, و مع إطلالته وشعبنا البطل و رغم سوء المعيشة و ما يكابده، لا يزال متحمساً للثورة وللتغيير، ويتطلع إلى التخلص من الاستبداد أيا تكن الآلام، و بثقة كاملة بالنصر مع العلم بأن مخاض الثورة سيكون صعباً جداً أمام آلة عسكرية مدججة بأفتك الأسلحة، وسوف يكتظ بالضحايا والآلام وبمعاناة ومكابدة لم يشهد شعب ثائر لها مثيلا، مؤكداً بجدوى استمرار الثورة وبأن توحيد صفوفها وتصويب أخطائها، قد يخفف من وطأة هذا المخاض و ثقله و يعجل وصول الناس إلى حقوقهم وما يتطلعون إليه!
العام الجديد سيضع حدا لمعاناة السوريين، و الصراع وصل أوجه والأهم انحسار الثقة بالنظام عموما و بخياره العنفي وقد جرب على مرأى من العالم كل أصناف الأسلحة والخطط الحربية ولم ينجح في إضعاف الثورة أو الحد من قدرتها على التجدد، بدليل تنامي أعداد الثوار واتساع المساحات والمناطق الخارجة عن السيطرة، وتكاثر حالات التهرب من المسؤولية والانسحاب من صفوف الجيش والأمن ومن حزب البعث وملحقاته النقابية، الأمر الذي يضع، الحالة السورية على نار حامية، عربيا ودوليا، لإحداث التغيير المطلوب.
عاما جديدا والوضع الاقتصادي وصل إلى الحضيض، لقد أفضى القصف والتدمير إلى انهيار القطاعات الإنتاجية والخدمية، وخربت حمم القذائف والآليات الثقيلة الأراضي الزراعية، ومنع الانتشار الأمني الكثيف نقل المحاصيل بصورة آمنة إلى الأسواق، وأفضى شح المواد الأولية جراء وقف الاستيراد، وضعف التسويق ومنافذ التصدير، إلى انهيار الصناعة، فأغلقت مئات المصانع أبوابها أو قلصت إنتاجها، وسرح الآلاف من عمالها، ولاقى قطاع السياحة المصير الأسوأ كأن دوره انتهى اليوم تماما، مثلما انتهت فرص الاستثمار، وبديهي ألا يأمن رأس المال لساحة معرضة لمزيد من الفوضى والاضطراب، ناهيكم بتعطل أغلب المشاريع الاستثمارية التي كانت تسير بصورة طبيعية، وتراجع دور البنوك العامة والخاصة جراء العقوبات وهروب الكثير من رؤوس الأموال إلى الخارج، والأهم تدهور معيشة المواطن، إن لجهة عدم توافر السلع الأساسية التي تفقد تماما في المناطق الساخنة، كالخبز والمواد الغذائية والأدوية والغاز والمازوت، أو لجهة انهيار القدرة الشرائية، مع خسارة كبيرة لليرة السورية من قيمتها، أو لجهة تهتك وتفكك شبكات الخدمات التعليمية والصحية، دون أن ننسى معاناة المهجرين داخل البلاد الذين آثروا الانتقال من المناطق الخطرة، أو اللاجئين في البلدان المجاورة، حيث أفضى تسارع الزيادة في أعدادهم إلى انحسار القدرة على توفير أهم الاحتياجات الإنسانية لهم!
عاماً جديداً و المجتمع الدولي لا يكترث بما يحصل من فظائع وأهوال، وكأنه بشعوبه وحكوماته يتفرج على هذا الفتك اليومي بالمدنيين، مثلما يتفرج على مسلسل تلفزيوني أو صور من عالم آخر، والفاجعة في التحذير الأممي الأخير للنظام بأن استخدام السلاح الكيماوي خط أحمر، بما هو إباحة لكل ما دونه من وسائل القمع والتنكيل… و الطامة الكبرى في رسالة الأخضر الإبراهيمي أمس و بكل وقاحة يكرر لنا عبارات شبيحة النظام البائد (الأسد أو ستُدمّر البلد), و يُؤكد أن البلد دُمِّرت.. و نحن نعلم أن مهمته في سوريا كانت و ستبقى لتعبئة الوقت لا أكثر و لا أقل حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا…
عام جديد وثوارنا مصرون على أن يكونوا أمل و ضمير الشعب في سورية بل ضمير الإنسانية جمعاء رافعين شعار “الموت و لا المذلة” و ثورتنا تزداد نضوجاً و قوة و تحقق الانتصار تلو الآخر, و مؤكدين بأنه أمم تنهض و أمم تمرض و تستمر حركة التاريخ, و أن ثورتنا المباركة كانت معجزة عند حدوثها ومؤثّرة عند استمرارها وقوية بثباتها ومذهلة بأبنائها. و نسأل الله أن يعجل في نصرها.
—————-
د . إياد أبازي
عالم جديد و عام جديد
- التفاصيل