"كانت أكثر كلمة تجرحنا هي "لاجئات" فقررنا إثبات العكس، فنحن أهل كرم، وكنا نستقبل في سوريا العراقيين والفلسطينيين وكنا نسميهم ضيوفًا وليس لاجئين".
أمنية كُريم
الإسكندرية- الأناضول
مع بزوغ كل فجر جديد.. تنهض "أم عمر" مسرعة لتبدأ يومها الطويل.. تستعين برشفات من القهوة وحلوى "إدلب" على ألم الفراق.. آملة أن ينتهي نهارها بخبر سار بزوال بشار.. تشرع في رص الصواني وتجهيز الطلبيات.. تصب حزنها في العجين.. تطفئ شوقها بصنع الطعام الذي تعلمته منذ صغرها في بلادها.. تحرص على الحفاظ على نكهة سوريا في المأكولات وكأنها تحمي بها الذكريات.
تتقاسم مع ضرتها وبناتهن السبع العمل الشاق، ويقدمن لغيرهن يوميًّا أشهي الأطباق السورية، ويعتبرن أجرهن الحقيقي الحفاظ علي كرامتهن، فقد رفضن الاستجداء، وأقسمن أن يقاومن حتي يثبتن معدن "حرائر سوريا"، فقررن إنشاء مشروعهن الصغير بمدينة الإسكندرية، شمال مصر، رافعات شعار "لسنا لاجئات بل منتجات".
تجمعت نساء الأسرة حول مائدة صنع الطعام، ليشرحن لمراسلة الأناضول أنهن أطلقن مشروع "لسنا لاجئات بل منتجات "الذي يعتمد علي صناعة الأطعمة السورية الشهيرة في المنزل لإثبات قدرتهن علي الاعتماد علي أنفسهن وكسب رزقهن، رافضين مبدأ الإعالة أو التعامل معهم على أنهن لاجئات.

وقالت أم عمر لمراسلة الأناضول: "كانت أكثر كلمة تجرحنا هي "لاجئات" فقررنا إثبات العكس، فنحن أهل كرم، وكنا نستقبل في سوريا العراقيين والفلسطينيين وكنا نسميهم ضيوفًا وليس لاجئين".

استكملت النساء حديثهن أثناء تجهيز عجائن الجبن والسبانخ، قائلة: "نفتقد سوريا وزيت زيتون إدلب، لكن أكثر شىء اشتقنا له هو الخبز السوري، ونلجأ أحيانا لشراء خبز شامي من المحال التجارية لكنه لايشبه خبزنا في إدلب والذي أصبح ثمنه الآن الدماء".

نظرت أم عمر لأطفالها الصغار الذين يعاونوها في العمل، وقالت: "حزينة على قتل الأطفال.. في البداية ماصدقت أبدًا أن بشار يعمل هيك (هكذا)".

وأضافت: "نحن نعمل حتى لانحتاج لأحد.. وليس هدفنا مشروع تجاري".

وعلى استحياء شاركت في الحديث "ل" و"ر"، كما طلبتا أن يرمز إليهما، الفتاتان المراهقتان، قاومت الكبري دموعها، وقالت: "أشعر بالغربة لأني خرجت من وطني غصب عني، كما أشتاق لسوريا كثيرًا.. أتذكر الهتاف في المظاهرات "الله.. سوريا حرية.. وبس".

وأعربت الفتيات عن استيائهن من محاولة البعض الزواج من السوريات بحجة مساعدتهن وإن كان في الباطن هو استغلال لوضعهن.

وحكى عمر أكبر الأولاد عمرًا والمسؤول مع أشقائه الصبية الاثنين عن توصيل طلبيات الطعام، عن حلمه بالعودة لسوريا بعد انتهاء دراسته، مشيرًا إلى المشاكل التي يلاقيها وأخوته في الدراسة بسبب اختلاف المناهج.

وقال أبو عمر رب الأسرة: "إن أسرته المكونة من زوجتين وعشرة أولاد خرجت من إدلب السورية العام الماضي، حرصًا علي عدم تأذي الأطفال من جنود بشار".

ويبدي أبو عمر استياءه مما وصفه بكسل بعض الأسر السورية، أو قبولها الحياة علي المعونات فقط، داعيًا الجميع لبدء مشروعه الخاص، كما قال.

ويضيف باعتزار: "بعد فترة قليلة، مشروعنا بدأ في النجاح حتي تلقينا طلبات بالمشاركة، ولكننا أصحاب مبدأ فلن نقبل بمشاركة الغني لنكبر ملايينه ولكننا نفتح بيتنا للمعدوم ليقف على رجله مثلنا".

وأعلنت الأسرة خطتها لتوفير مبالغ مالية من عائد المشروع لإعانة أهلهم في سوريا والثورة السورية.

وعلي عكس النساء، رحّب أبو عمر بإمكانية البقاء في مصر ردًا على كرم أهلها، بينما تصر الفتيات "المنتجات" علي حلم العودة إلي وطهن سوريا، مشيرات إلى أنهن لن يقبلن أن يحيين طول العمر كلاجئات.

JoomShaper