لها أون لاين
قصة ماشطة فرعون كانت من القصص المفزعة التي يصعب تخيلها؛ لما فيها من الظلم والجور المجسد في كائن بشري خُلق من ماء مهين، وصل به ظلمه أن يرمي بأطفال صغار لامرأة قالت: "ربي الله"، فأمر بدفعهم واحداً تلو الآخر في قدر من نحاس ملئت بالزيت المغلي، إلى أن انتزع أصغرهم من صدر أمه ورماه أمامها في القدر ذاته، فيما لا يزال أثر حليبها على فمه.
تلك القصة التي يشيب لها الرأس، ويتفطر منها القلب. تخدر عند سماعها أفئدتنا، ونقنع عقولنا بأنها تنتمي لعصر لن يعود، وطاغية لن يتكرر ظلمه وتجبره حتى جعله الله لمن خلفه آية.
واليوم، وبعد قرابة 9000 سنة، تستعيد البشرية صورة حية لتلك القصة، بعد أن جاء فرعون جديد في سوريا، لم يصنع لبلده حضارة كالتي صنعها فرعون لبلده مصر، ولم يترك عجائب يمكن أن يسجلها التاريخ من عجائب الدنيا السبع إلا عجائب قتله لأبناء بلده، لا لذنب إلا أنهم أرادوا الحياة كراماً، فكان صورة أكثر سلبية من فرعون بجبورته وظلمه وجبنه الذي يجعله يقتل الطفل الرضيع مخافة على حكمه ونفوذه، ومن تلك الجرائم التي تعيد للأذهان قصة ماشطة فرعون قصة الرضيعة عفاف سراقبي التي أعلنت عنها الشبكة السورية لحقوق الإنسان في بيان أصدرته مؤخراً، وهي طفلة لم يتعد عمرها الأربعة أشهر من مدينة حمص؛ المدينة التي شهدت أشد المعارك ضراوة منذ اندلاع الثورة السورية وحتى الآن، وذكر البيان كيف تم تعذيب الرضيعة عفاف أمام والديها بهدف الضغط عليهما، حتى ماتت تحت وقع التعذيب في 10/1/2012، وسلم جثمانها لعمها، وعليها آثار التعذيب، فيما لا يزال والداها في المعتقل حتى الآن.
ذات الأربعة أشهر تعذب في أقبية السجن!! بما عُذبت هذه الرضيعة؟ وبأي ذنب قُتلت؟. وأي قلب يحمله من عذبها ومن أمر بتعذيبها؟ ومن رأى وسكت عن تعذيبها؟.
مسلسل قتل الأطفال في سوريا لا زالت حلقاته تتوالي يوماً بعد يوم، بيد فرعون هذا العصر وجنوده الذين بغوا وطغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فقد قتل من أطفال سوريا منذ اندلاع الثورة السورية وحتى الآن 2529 طفلاً بطرق وحشية لا يمكن للعالم أن ينساها، كمذبحة الحولة، ومجزرة العدوية، عدا عن الأطفال الذين يلاقون حتفهم بشكل يومي جراء القصف المستمر على مدنهم ومنازلهم.
ربما اعتقدنا خطأً أن زمن قصة ماشطة فرعون زمن لن يعود، وأن أيام فرعون قد طوت بين جنباتها قصص لن تتكرر، وطالما أن فصولها قد تكررت اليوم، فإن في تشابه أحداثها بشرى لتشابه نهاياتها. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: }وفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ{ إن ربك لبالمرصاد وبإذن الله نصر الله قريب.
حتى الرضيع.. يا بشار!!
- التفاصيل