جاسم الحموي
على زغردة العصافير الممتزجة بصوت الرصاص في يوم من أيام كانون الثاني…داعبت أشعة الشمس الباردة وجنة مرح ,معلنة مجيء اليوم المُرتقب……آخر يوم من أيام امتحانات الجامعة…هذا اليوم الذي يفصلها عن عودتها لمدينتها……حماة
قامت من سريرها متحمسة للذهاب لامتحانها….فتحت الشباك لتشم ريح الصباح… أحست بنسماته الباردة..وعلى ألحان فيروز ورائحة القهوة العَبِقة التي اعدتها بدأت تراجع ماحفظته من مقرر العام
مسالة هنا…تعليل هناك….جملة قد لونتها بالأخضر لأهميتها هنا….وأخرى بالأصفر هناك
أنهت القهوة..ارتدت ثيابها…ثم خرجت وهي تتمتم بأدعية وآيات قرآنية عسى أن يوفقها الله
في الطريق وعلى طول سيرها وخلال تلفتها …ترى تلك الوجوه الكالحة..وجوه جنود النظام وشبيحته الذين بددوا حرمة الجامعة برائحة الدم التي تفوح من بنادقهم
لم تكترث لهم …وهي التي لطالما صورت انتهاكات نظامهم ,ومعاناة شعبها منهم خلال هذه الثورة بعدسة جوالها المتواضعة
أُغلقت الأبواب…وُزعت الأوراق…وعلى صوت الهدوء الذي يخترقة همهمة المراقبين وصوت كنادرهم …بدا الامتحان
جواب هنا…تعليل هناك…هنا مخطط..سؤال هناك ليست متأكدة من اجابته……..المهم..مضى الوقت وانتهت الامتحانات
بخطى متسارعة مع ابتسامة بريئة قد اعتلت وجهها كانت تسير نحو منزلها في سكن الطالبات لتلملم اغراضها وتعود لرؤية اهلها…وفي مخيلتها تحاك صورة حييها وابتسامة أخيها الصغير التي ترتسم دوما حين يفتح لها باب المنزل عند عودتها من السفر مداعبة له شعره
تدور في مخيلتها صورة امها وقد ارتدت ثوب الصلاة وهي تقرأ لها أيات القرآن على نية التوفيق
صورة أبيها التي قد رسمت قطرات العرق على جبينه نهرا عند عودته من العمل
وفي خضم هذه الخيالات…التي لم تكملها بعد….قطع عليها تفكيرها وجهان حالكان من اوجه رجال المخابرات الذين وقفوا على باب مساكن البنات في دورية تفتيش معتادة
وماهي إلا ثوان بعد ان طلبا منها هويتها الشخصية….تردد صوت عبر اللاسلكي الذي في يده أحدهما يقول..الق القبض عليها …انها مطلوبة
لم تدرك ماتسمعه…ولكن وقبل أن يرتد اليها طرفها….كانت قبضات رجال الأمن الكبيرة قد أمسكت جسدها النحيل ذاهبة بها إلى أحد أقبية الأمن والمخابرات التي لايخرج منها الإ كل قوي صبور
ذهبت مرح…وذهب معها صوت العصافير ورائحة القهوة….وأحلام الحياة التي أرادت ان تعيشها
أخوها الذي كان ينتظرها عند الباب مل الانتظار..وانقلبت ابتسامته العفوية لقلق قد أصاب قلبه الصغير
ذهبت مرح…وذهب معها حلم شابة أخرى كانت تريد توظيف نتاج كل دراستها لخدمة هذا الوطن الذي أرادته ان يكون حرا
ذهبت لتسلم على أخواتها .نور…وطل…..وغيرهم
لاتطيلي علينا الغياب يامرح…..فعدسة جوالك تشتاقك……وامك لم تترك المصحف منذ ان كنتي في الامتحان…
ووالدك المسكين يقتنص اللحظات ليختلي بها مع نفسه …ليذرف فيها الدموع الكثار على ابنته التي اثقل كاهله اعتقالها
وإلى أن تعود مرح…سأكون قد كتبت عنها وعن أخواتها في السجون مئات القصص التي تصر دمعتي في كل مرة اكتب فيها عن احداهن إلا أن تمتزج بحبر دواتي …في كل فصل جديد من ….قصة الحسناء والوحش
قصة الحسناء والوحش
- التفاصيل