رسالة الإسلام - ثروت البطاوي
مازال نزيف الدم السوري يتواصل، ومازالت فصول المأساة الإنسانية الكبرى والكارثة البشرية المروعة تكتب على أرض سوريا الطاهرة، ولم يرتوِ بعد عطش عصابات بشار الأسد وزبانيته من دماء الشعب السوري الأعزل، وبينما يدخل الصراع الدامي بين الثورة وجيش ونظام بشار عامه الثالث، في ظل أوضاع إنسانية متفاقمة، بعد الدمار والخراب الذي حل بالبلاد، على يد عصابات الأسد، وبعد أن قتل عشرات الآلاف، وشرد الملايين داخل وخارج سوريا.
وفي قلب تلك المأساة الانسانية المروعة، يعيش أطفال سوريا، هؤلاء الصغار الأبرياء، يرون الموت بأعينهم، وتمر أمامهم مشاهد القتل والذبح والمجازر، وليت الأمر يقف عند ذلك؛ فمأساة أطفال سوريا أكبر من ذلك بكثير؛ فالآلاف منهم فقدوا أرواحهم دون ذنب، على يد قوات الأسد وعصاباته، وفقد معظمهم ذويهم وآباءهم وأقاربهم في ذلك العدوان الظالم من النظام الغاشم، وفي هذا الخراب والضياع، فقد الأطفال أسرهم وضاعت بيوتهم وفقدوا الأمن والأمان، وقاسوا الرعب والتشرد، وتقطعت بهم السبل داخل سوريا وخارجها في مخيمات اللاجئين، وفقد الأطفال مدارسهم ومستقبلهم التعليمي، كما فقدوا صحتهم وانتشرت بينهم الأمراض الجسدية والنفسية، وعانوا من قلة الغذاء والدواء والكساء، وعاشوا ومازالو في ظروف غير إنسانية، وصلت إلى العيش في مغارات الجبال، ولم تقتصر معاناة الأطفال على ما سبق فقط، فقد تم استغلالهم وتجنيدهم في الصراع الدموي الدائر في سوريا، بل وتم استخدامهم كدروع بشرية، في أتون القتال المشتعل هناك، وتعرض الكثير منهم للقتل والاختطاف والاغتصاب، ولم يرحم براءتهم أحد، وحاول بعض المتاجرين بالثورة وبمعاناة السوريين أن يستغل مأساة الاطفال، ويجمع تبرعات بالغش والتدليس لهم، وفي ظل تواصل تلك المأساة الإنسانية المروعة، ترفع المنظمات الدولية المعنية بالأطفال النداء من أجل مساعدة أطفال سوريا ودعمهم بكافة أشكال الدعم، وأبرزها مالي، لإنقاذ أجيال سوريا القادمة من الضياع.
تقرير دولي
وقد سلط تقرير منظمة "أنقذوا الأطفال" الدولية الصادرة مؤخرا الضوء على حجم المعاناة والمأساة والكارثة الإنسانية التي يتعرض لها أطفال سوريا، واستعرض تقرير المنظمة الدولية الصادر بعنوان "الطفولة تحت النار"، ظروف الأطفال السوريين الذين يعيشون في ظروف الحرب، والذين تركوا لمصيرهم، في مواجهة الموت والألم، بدون أية مساعدة، لافتاً أن عدد الأطفال الذين يتعرضون لمثل هذه الظروف يتجاوز 2 مليون طفل، وأن عددا منهم يتم استغلاله من قبل الجماعات المسلحة، كعتالين، ومخبرين، وحراس، ومقاتلين، إضافة إلى استخدامهم كدروع بشرية، في بعض الحالات. وأكدت المنظمة الدولية أن أطفال سورية يتعرضون لإطلاق النيران والتعذيب والاغتصاب".
وأكد التقرير أن 3 من كل 4 أطفال سوريين فقدوا أحد ذويهم، وأن طفلا من بين كل 3 أطفال، تعرض للأذى الجسدي، مبيناً أنهم يعيشون في ظروف إنسانية قاسية، وحرمان معظمهم من الرعاية الصحية.
معاناة منذ الولادة
أكد تقرير المنظمة الدولية أن أطفال سوريا هم الضحايا المنسيون، يواجهون القتل والصدمة والمعاناة، ويحرمون من المساعدات الإنسانية الأساسية".
وذكر التقرير أن المخاطر التي تحيق بالأطفال تبدأ قبل مولدهم؛ إذ تتعرض المستشفيات والعاملين في مجال الرعاية الصحية للهجمات، وتحجم النساء عن الذهاب للمستشفيات. وأضاف أن نحو مليوني طفل سوري في حاجة للمساعدات.
وقال التقرير: "يعني هذا أن المزيد من حالات الولادة، تتم في المنزل في غياب قابلة ماهرة"، مضيفا أن الحصول على الغذاء مشكلة خطيرة أيضا تعاني منها العائلات السورية.
مكافحة المرض والفقر
وأشار التقرير الدولي إلى أن الكثير من عائلات الأطفال المرضى، يكافحون في سبيل توفير المأكل والمشرب لأطفالهم، في ظل الفقر المدقع وارتفاع الأسعار الجنوني، مشيراً إلى إنقطاع الأطفال عن الدراسة، بسبب تعرض أكثر من ألفي مدرسة لأضرار جراء العنف الدائر، أو تحويل الكثير منها إلى مأوى للاجئين.
قتل وتشريد
كما أوضح تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه قد قتل 3700 طفل في الصراع الدائر في سوريا، وتشرد 500 ألف آخرين، كما إن ثلاثة أرباع هؤلاء الأطفال فقدوا "أحد أفراد أسرهم" بسبب القتال.
وقبل بدء القتال حضر حوالي 90 % من الأطفال السوريين في المدارس الابتدائية– وهي واحدة من أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط. ولكن في العامين الماضيين، اضطر حوالي 200 ألف منهم لترك مدارسهم. كما تضرر ألفا مبنى من المباني المدرسية بسبب القتال، وباتت هناك مدرسة واحدة من كل 5 مدارس خارج الخدمة في جميع أنحاء البلاد، بسبب تعرضها للتلف أو لأنها تحولت إلى مأوى مؤقت، لنحو مليوني شخص في البلاد داخليا.
تهاوى نظام التعليم في سوريا، وكذلك الرعاية الصحية، ونصف المستشفيات السورية تضررت جراء القتال. كما أن الأطفال، ولاسيَّما المتواجدين في مراكز الصراع، أو بالقرب منه ما زالوا بعيدين عن متناول الرعاية الطبية.
في المغارات
تروي الناشطة بيتكا شكوفرانكوفا، من "جمعية إنسان في ضيق" التشيكية، التي زارت سوريا مؤخرا حقيقة الأوضاع الدموية هناك والمأساة الإنسانية الكبرى التي يعيشها الأطفال مشيرة أن الكثير منهم يعيش ويحيا في مغارة، ويأكل ما يعثر عليه في الحقل، ويشرب المياه من نهر يقع على بعد 10 كيلومترات، ويرتدي خلال فصل الشتاء أكياسا من النايلون، بدلا من الحذاء الملائم. لأيام وأيام قاموا بإطلاق النار عليهم، قتلوا أصدقاءهم، ثم اضطروا للتوجه ذات يوم إلى رحلة المجهول، مع حقيبة تحتوي على بعض الأشياء الضرورية. مضيفة: "فجأة يفقد المرء في السادسة من عمره معنى مصطلحات مثل الأمن، الدفء، والسعادة.. لا يمكن تصور ذلك بسهولة".
الاعتداء الجنسي
تستشهد منظمة "أنقذوا الأطفال" ببعض الأدلة، على أن الاعتداء الجنسي ضد الأطفال يستخدم كسلاح في الحرب، موضحة أن عدد حالات زواج الأطفال يبدو أنها آخذة في الارتفاع- ربما لأن تزويج الفتاة سيخفف بعض العبء على والدها، أو ربما لينقل مسؤولية حمايتها من الاعتداء الجنسي إلى زوجها.
وأكدت مصادر إعلامية دولية أنه تم توظيف عدد غير معلوم من الأطفال من طرفي الصراع للانضمام إلى القتال، واستخدم الأطفال في سن الثامنة كدروع بشرية.
ضياع جيل
نبهت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، على خطر تواصل العنف والنزوح المتزايد للسوريين على الأطفال.
وقالت المنظمة: إن تواصل العنف والنزوح المتزايد، يدمر البنية التحتية والخدمات الأساسية نتيجة النزاع، ويهدد جيلا كاملا من الأطفال، ويصيبهم بجراح جسدية ونفسية قد تؤثر فيهم مدى الحياة.
المدير التنفيذي لـ"يونيسف" أنتوني ليك قال: "بينما يشهد ملايين الأطفال داخل سوريا والمنطقة ضياع ماضيهم ومستقبلهم، وسط الركام والدمار، في النزاع الذي طال أمده، تتزايد كل يوم مخاطر أن يضيع جيل بأكمله".
مناشدة واستغاثة
حث تقرير منظمة "أنقذوا الأطفال" الدولية، مجلس الأمن على "التوحد خلف خطة تضع نهاية للعنف وتضمن وصول المساعدات الإنسانية للأطفال في شتى أنحاء سورية".
وطالبت المنظمة بزيادة الدعم الدولي لأطفال سوريا، الذين يعانون من سوء تغذية وأمراض وصدمات نفسية، كما ناشدت مختلف أطراف الصراع بالسماح بلا قيود، بالوصول إلى المدنيين الذين يحتاجون المساعدة.
ويقول دبلوماسيون في الأمم المتحدة: إن "حكومة الأسد رفضت فكرة حرية تحرك عمال الإغاثة خشية أن تستخدم هذه الممرات لنقل الأسلحة لمقاتلي المعارضة".
كما دعا التقرير قوات الأسد ومقاتلي المعارضة، إلى الكف عن تجنيد الأطفال، وتسريح أي طفل مجند في صفوفهم وضمان عودته لأسرته.
كما أطلقت منظمة اليونيسيف مناشدة المجتمع الدولي، بالحصول على مبلغ 195 مليون دولار أمريكي؛ لإنقاذ أرواح الأطفال السوريين وأسرهم ومساعدتهم حتى يونيو 2013، ولم يجر تمويل إلا أقل من 20 في المئة.
أطفال سوريا.. مأساة إنسانية مروعة
- التفاصيل